تزداد كارثة غزة بؤساً وجوعاً وقهراً بعد قرابة خمسة أشهر على حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال على مرأى ومشهد وصمت وتواطؤ غربي حاقد، لم يعط بالاً للقرار الاحترازي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، والذي طالبت به قوى العدوان بتقديم تقرير عن مساعيها وإجراءاتها التي قامت بها للحيلولة دون ارتكاب أعمال مجازر جماعية، فلم تقدم حكومة الاحتلال على أي خطوة من شأنها حماية المدنيين الفلسطينيين وتأمين احتياجاتهم الإنسانية الأساسية بشكل مستدام، وفي مقدمتها الأمن والغذاء والمياه الصالحة للشرب والدواء والكهرباء، بل على العكس تماماً، فإنها أمعنت بارتكاب المزيد من المجازر الجماعية عبر القصف الوحشي للمنازل والأبراج السكنية والمراكز والمنشآت بما فيها الصحية والتعليمية، ما يعمق الكارثة الإنسانية والمجاعة في صفوفهم يوماً بعد يوم، وخاصة في شمال قطاع غزة ومناطق وسط وجنوب القطاع أيضاً، ويحول قطاع غزة إلى منطقة مدمرة بالكامل وغير قابلة للحياة البشرية، بما يعني التمهيد لتنفيذ مخططات التهجير القسري الذي أعلن عنه نتنياهو كواحد من أهداف العدوان التي لم تتحقق، ولعل جرائم هدم المنازل ونسف المربعات السكنية وتهديم جميع الأبنية على امتداد كامل مدن وقرى قطاع غزة دليل واضح على أنه لا يوجد مكان آمن في القطاع، ولا يوجد منازل يمكن أن يعود إليها المواطنون. فضلاً عن قيام سلطات الاحتلال بحفر خندق كبير وعريض وسط القطاع بهدف إعاقة عودة اللاجئين إلى شمال القطاع، فالفشل الدولي في إجبار كيان العدوان على حماية المدنيين وتأمين احتياجاتهم الإنسانية الأساسية حدث غير مسبوق في تاريخ الصراعات والمواجهات العسكرية على امتداد التاريخ البشري، وهو يضرب ما تبقى من مصداقية لمؤسسات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، ويكشف زيف مواقف الدول التي تدعي الحرص على مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي، وفي الوقت ذاته يؤكد عقم آليات العمل الدولية وفشلها في احترام القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وخاصة أن هذا الفشل يقترن بتغييب متعمد للعدالة الدولية ومبدأ المحاسبة والعقاب. فالعالم الحر الذي خبر أكاذيب الغرب الاستعماري وادعاءاته المتواصلة في تبني المبادىء الإنسانية يعجز عن مواجهة الغطرسة الأميركية والصهيونية، ويقف شاهداً على تحويل غزة إلى مقبرة للقانون الدولي الذي غدا بحاجة لاجتراح أساليب جديدة لفرضه ضمن تشكيلة دولية تضمن حقوق الشعوب المقهورة وتكشف الخداع والأكاذيب الاستعمارية كلها، وإلا فإن مأساة فلسطين وشعبها سوف تزداد وتكبر في ظل حالة العجز والضعف وتغوُّل الغرب في استخدام القوة المفرطة وعدم انصياعه للمبادئ الشرعية في إطار منظمات المجتمع الدولي المختلفة.