الملحق الثقافي- د بيسان أبو خالد:
وحين عرفت الذي قد عرفت
أجلست والدنا
ثم قلت ..
أتعرف يا أبتي إننا عرضة للموت في كلّ قصف ..
و إن الذي فوقنا لغم بيت ….
صمت قليلاً
و قلت
لا يهم لأني نذرت حياتي من أول العمر للموت..
حتى تعود فلسطين والقدس
إني أضحي بنفسي و بالقصرما قد بنيت
و إن تراءى لك غيرهذا المصير
فكوني بعيدا
عن خندقي
و اهربي ياابنتي..
و لكنني قد أجبت:
فلسطين ناصية
للتقاطع ما بين فرس و عرب …
و لست على مثل هذا اليقين بأن زنادي في كفهم
سيكون لي المجد
و مهما اتفقنا على عودة القدس
يا أبتي
سنظل كما الروم والفرس…
و لكنني لن أغادر بيتي لأن الذي قد يلم بخالدنا قدري
يا أبي سأكون على أُهبة الموت . …
دوما لأجل فلسطين و لن احتمي بالفرار
من النار ..
اه ابتسمت ابتسمت .
فبيسان كانت لديك حلماً لعودتنا
و اسماً لبارودة حاربت في ميادين أيلول..
و اسم الوليد الجديد
أتيت قبيل الولادة من جبال فلسطين
كنت كبوصلة للمخاض العسير
فأمي مهددة بالعمى
و إسقاط أي جنين …
و قلت بأني ولدت كمعجزة كالحنين…
فاسميتني باسم بارودة القدس
اه
و أخبرتني
بأن أتذكر
إني ولدت بتاريخ
نكستنا واجتاح الجنوب
و اني وعد المفاتيح
إن ترجع الآن قفل البيوت
ما احتفلت بميلاد نفسي
دون أن يسطع الذنب..
و هاتفت زوجي ذات صباح و قلت أريد إذا مت أن أدفن الآن
في مقابر دحدوح…
ثم اختفت رعشتي
و سلمت روحي إلى الرب و القدس…
أخبرتهم مرحبا بالشهادة
إني و غزة محرقة في مهب الشعوب
التي ستؤوب…
لكي يسطع الحق
يسألني أُخوتي بعد الذي قد حدث…
لم ما فررت إلى أي أرض
إن كان داخلك كلّ هذا اليقين الأكيد بالموت…
فقلت خجلت
من الشهداء جميعاً
إني خجلت من ركام المشافي
و طفل يموت على ردم مشفى كالمعمدان
خجلت بان اقتني معبرا للحياة
و أهلي يفرون لا رفح فتحت بابها
و لا أحد في مياديننا
فلست أمت لتلك الشجاعة يوماً بشيء…
إني خجلت
مثلما خجل الأب ترك الصحافة
رغم إبادة كلّ ذويه أحاسب نفسي أن قد نجوت…
و بيتي قرابين من هاجموا الأمس
أربيل في وضح كلّ الهزائم
كي يهدموا وكرموساد
إني خجلت..
و اخترت يا أبتي أن أظل على العهد …
يا أبتي كنت تعرف أن الذي فوقنا
مدفننا ولكنّه الآن آخر بارودنا
في زمن الهدن المحزنة…
سآخذ عن عاتق الحبّ بئس المصير
و أكتب شعراً لأنسى مصيرضرير…
و منذ رحلت أصور بيتي
كأني أحدس أني أوثق بيتاً هنا لن يكون …
كي لا أصاب بذاك الجنون…
وأرخت كلّ الزوايا و مدفأة أضرمت نارها في المرايا…
و جلت بذاكرة العمر
كنت أحدس أنك سوف تكون ..
كافكا فلسطين
يا خالدي
لم أكن خائفاً سوى من نجاتي
و قلت بأني سأرحل
مثل خالد ابن الوليد
فوق سريري
و لكنني كشهيد
و لا طعنة في جسدي كالوليد
لأني أتقن فن
الرصاص بحبر الوريد…
فكيف لي أن أكون شهيداً….
دون خوض المعارك في أي عصر …
تركت مصيري تركت حياتي
و لم اتفاجا الا قليلا حين أعلمني فارس
بالخبر المستحيل…
الذي ظلّ سراً بيني و بين أبي
في كواليس نزوتنا للشروع بموت يليق
بسيرتنا…
فتركت دمي عرضة للنزيف
تركت المكاتب ملء الحريق
تلك وصية خالدنا
أن نضحي بأغلى أشيائنا ..
إن لم يكن في الميدان حرب تعيد
البلاد إلى شعبنا..
وداعاً اذا
للجمال العريق
الذي صار أضحية
لاستياء العدو
من قصف أربيل
و لا نستطيع الفرار
من الموت
فلا تدفنوني شهيداً
اذا مت …
إني فقط قد خجلت…
العدد 1179 – 27 -2 -2024