الثورة – تحقيق ميساء العلي وبشرى فوزي:
قصص كثيرة نسمعها عن حالات الطلاق التي زادت بشكل كبير في سورية خلال سنوات الحرب، ولاسيما الطلاق الغيابي الذي يقع أثناء غياب الزوجة، كأن يكون الزوج في بلد والزوجة في بلد آخر، أو حتى في البلد نفسه ويوكل أحداً بمتابعة إجراءات الطلاق بعد تلفظه بلفظ الطلاق مع النية الخالصة والعزم على ذلك، وهذا النوع من الطلاق يعتبر ظاهرة جديدة في سورية، تعود كما يقول أحد المحامين لظروف السفر، إضافة إلى الطلاق المتعارف عليه.
ظروف المعيشة والوضع الاقتصادي أحد المسببات لارتفاع عدد حالات الطلاق رافقه عزوف عن الزواج لعدم القدرة على تلبية متطلبات الحياة الأسرية.
“جمعنا الحب وبعد مدة قصيرة تزوجنا وأنجبنا ثلاثة أطفال” هكذا بدأت مريم بسرد قصتها لنا، وتابعت لقد كان موظفاً لا يمتلك سوى راتبه من الوظيفة، وكنت موظفة أيضاً، وقد ساندته ووقفت إلى جانبه حتى قوي عوده، حيث أعطيته حصتي من ميراث أهلي وبسبب مصاغي وميراثي أصبح له عمله الخاص إضافة إلى وظيفته، وبدأت أحوالنا تتحسن وكنا نعيش حياة مليئة بالحب والاستقرار، ولم أتوقع يوماً أن نصل إلى الطلاق.
وتكمل حكايتها، وتقول: فجأة انقلب كل شيء ومن دون سبب واضح وبدأت المشكلات والنزاعات ولم أكن أستوعب ما يحدث لأنني لم أتخيل يوماً أن يحدث ذلك، فأنا لم أتزوج إلا لبناء أسرة متكاملة سليمة ولم أتمكن من استيعاب ما يحدث، وفجأة أصبحت مطلقة في مجتمع لا يرحم المرأة مهما كانت قوية ويُشعرها بالنقص من خلال التسميات المؤلمة (عانس- مطلقة- أرملة) لم أستطع تصديق ما حدث، فهو بالتأكيد كابوس وليس حقيقة.
وتتابع مريم: انقلبت حياتي رأساً على عقب، فقد انتقلت برفقة أطفالي إلى منطقة أخرى للعيش بعد رفضه ترك البيت لنا ورفضه إعادة جزء مما قدمته له، وخصص لأولاده راتباً شهرياً لا يكفي لأسبوع واحد فقط، وقد رضيت بكل هذا لأنني ليس لي حمل على المحاكم والدعاوى، فهي مكلفة وليست لي قدرة ولأن الرجل يستطيع أن يفعل ما يريد في مجتمعنا الذكوري- حسب قولها- وبعد تجربة وجدت نفسي في مجتمع يلوم المرأة ويبيح للذكر كل شيء.
وأضافت حتى لو رفعت دعوى نفقة فهي لن تكفي تماماً مثل المبلغ الذي خصصه لأولاده، وتساءلت لماذا لا يتم إجبار الرجل بالقانون على تأمين بيت لطليقته وأولاده؟ ولماذا يتم ظلم المرأة علناً وجهاراً ولا تتمكن من الحصول على حقها بسهولة وسلاسة؟
وتتابع سرد حكايتها قائلة: أصبحت بلا سند، فالمرأة تحتاج رجلاً يدعمها في ظل ما نعيشه من ظروف صعبة، وأضافت: هي ليس نهاية الدنيا فالحياة تستمر على الرغم من كل شيء ولكن هناك حالة تكامل بين الرجل والمرأة لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر، فكما نعلم أنّ وراء كل رجل عظيم امرأة.. وأضافت: أبغض الحلال هو الطلاق، مؤكدة أنّ له وقعاً نفسياً مدمراً جداً، وخاصة على المرأة غير المستقلة مادياً، والتي تصبح فجأة بلا مأوى وبرفقة أطفال ويجب عليها مواجهة نظرة المجتمع.
أسباب كثيرة للطلاق وعزوف عن الزواج
قال الباحث الاجتماعي أحمد عثمان: إن أسباب الطلاق متعددة، أهمها انعدام التواصل بين الزوجين وعدم الانسجام الفكري بينهما، مبيناً أنّ سوء الأوضاع الاقتصادية من أبرز أسباب الطلاق والتي باتت تشكل مشكلة كبيرة في ظل تردي الأوضاع المعيشية وعدم التمكن من تأمين متطلبات المنزل والأسرة، وأمّا أكثر الأسباب التي ساهمت في ازدياد ظاهرة الطلاق بعد أن كانت نادرة فهو تفشي وباء وسائل التواصل الاجتماعي الذي فكك روابط الأسرة ودخل كل بيت وأصبح كل شيء مباحاً للعموم، حيث تُنشر الخلافات على صفحات الفيسبوك وغيرها وتنهال التعليقات التي تزيد الوضع رداءة من تحريض وتشجيع على الطلاق، وتبدأ المثاليات غير الموجودة بالمديح للزوجة أو الزوج وشتم الطرف الثاني، وهكذا تتسع دائرة الصراع من خلال عالم افتراضي لا يمكننا معرفة من يتواصل معنا ومن يتحكم بتصرفاتنا وهنا تتسع دائرة الخلاف، حيث تجد الزوجة أو الزوج مديحاً من بعض الناس ضمن التعليقات يؤدي إلى تضخيم المشكلة التي قد تكون صغيرة للغاية، وتبدأ المقارنة بين الحياة التي يعيشها الزوجان وبين ما يشاهدونه على صفحات التواصل، حيث تنغرس هذه الأفكار وتصبح مهمة على الرغم من أنها عادات دخيلة وغريبة، كما قال عثمان: إن لوسائل التواصل الاجتماعي دوراً إيجابياً أيضاً، فهناك حالات زواج ناجحة تمت عن طريق وسائل التواصل ولذلك اعتبره عثمان سلاحاً ذا حدين.
وقال عثمان: إن هناك ظاهرة خطيرة ناتجة عن ازدياد حالات الطلاق وهي عزوف الشباب عن الزواج ويرجع هذا العزوف برأيه إلى خوف الشباب من خوض تجربة الزواج بعد أن أصبح يشاهد يومياً حالات طلاق وانفصال وقصص غريبة تنتشر على وسائل التواصل والتي أصبحت ساحة لنشر قضايا عائلية لم يكن الاطلاع عليها مباحاً في الماضي، إضافة إلى توفر ما كان قبل انتشار الانترنت عيباً وحراماً وأصبح الشباب يميلون إلى خوض
تجارب افتراضية، حيث يمكنهم من خلال عالم وهمي الحصول على كل ما يريدونه من دون تكاليف وذلك في ظل الغلاء المنتشر والمتزايد يوماً بعد يوم وهذا ما نسميه الاستخدام السلبي لوسائل التواصل والتقليد الأعمى ومحاكاة الآخرين بطريقة خاطئة.
رأي القانون
المحامي الدكتور نزار حسن أكد لـ “الثورة” أنّ القانون أجاز للمرأة الحصول على حقها عبر الدعوى أو الطلبات من المحكمة الشرعية وأمّا تقدير نفقة الأولاد ونفقة الزوجة عند توجبها فمتروك تقديرها للقاضي حسب الحالة المادية للزوج وأضاف حسن أنّه من مستلزمات عقد الزواج أن يؤمن الرجل مسكناً لزوجته يليق بأمثالها.
وأشار حسن إلى أنّ الطلاق وفقاً لقانون الأحوال الشخصية هو إرادة منفردة وهي حق خاص بالزوج وله الحق في تفويض زوجته بتطليق نفسها منه والطريقة الثانية هي طلب التفريق من المحكمة الشرعية وهي حق للزوج والزوجة لأسباب حددها القانون، وأهمها التفريق لعلة الشقاق والضرر أو للغيب وغيرها من الأسباب التي حددها القانون وهناك طريقة ثالثة وهي فسخ عقد الزواج أي المخالعة الرضائية.
ما بين الزوج والزوجة
وأمّا أسباب الطلاق، فقد بيّن المحامي حسن أنّ أسباب الطلاق تتعدد وتتنوع بين مجتمع وآخر بحسب الثقافات والعادات والعقائد، كما تختلف الظروف التي تؤثر في زيادته أو محدوديته في المجتمع الواحد بين فترة تاريخية وأخرى أي بحسب مرحلة التطور الاجتماعي ومستوى الوعي العائلي والجمعي.
ويرى أنّ من أهم الأسباب المباشرة لوقوع الطلاق هي الوضع الاقتصادي والمعيشي العام، أو الوضع الاقتصادي والمعيشي والتوعوي الثقافي الخاص لدى العائلة ولاسيما وعي وثقافة الزوجين، ويتعلق ذلك بصورة غير مباشرة باستقرار أو توتر الوضع الأسري المرتبط بهذه العائلة وبين جهتي الزوج والزوجة، وتكون أسباب الطلاق غالباً نتيجة تراكمات من العوامل السلبية المباشرة وغير المباشرة، مشيراً إلى أنّ أهمها العوامل الاقتصادية والمعيشية، إضافة إلى ظروف الحرب التي مرت على سورية والأسباب المرتبطة بالنزوح والهجرة وغير ذلك، كما أكد على أنّ الأسباب التي تحدث عنها والتي تؤدي إلى وقوع الطلاق تزيد تفاعلاتها وآثارها أو تضعف وتنتفي بحسب الوضع الداخلي غير المادي الخاص بالعائلة عموماً وبالزوجين على وجه الخصوص.
ارتفاع معدلات الطلاق
في إحصائية عن المكتب المركزي للإحصاء أشار التقرير إلى ارتفاع معدلات الطلاق خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ حتى باتت متقاربة مع حالات الزواج وفي آخر إحصائية رسمية فإن كل ٢٩ ألف حالة زواج يقابلها /١١/ألف حالة طلاق.
كما كشفت إحصائية لعام ٢٠٢٢ صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء عدد عقود الزواج التي تم تسجيلها في عام ٢٠٢١ في سورية والتي بلغت /٢٣٧٩٤٤/عقداً، فيما بلغ عدد شهادات الطلاق خلال العام نفسه /٤١٩٥٧/شهادة، وذلك بنسبة ١٧.٦% من إجمالي واقعات الزواج.
ختاماً
الطلاق هو أبغض الحلال، ولو كان حلالاً لكنه بغيض.. فهو يهدم الفرد والأسرة ويدمر بناء مجتمع متكامل وتربية أبناء سليمين نفسياً واجتماعياً على الرغم من وجود حالات تخالف هذه الفكرة، ولكن يقع الظلم الكبير على المرأة والأطفال وخاصة في ظل تمكن الرجل من إخفاء ما يملك ومحاولته الظهور بأنه لا يستطيع دفع تكاليف لأولاده وطليقته، وغير ذلك ضغط المجتمع والعادات والتقاليد على المرأة، لذلك لابد من حملات توعية وتثقيف لنصل إلى نتيجة مفادها أنّ المطلّقة والعانس والأرملة هي إنسانة لها كيانها، وهذه الأسماء مجرد تمييز بين حالة وأخرى وليست شتيمة.