ظافر أحمد أحمد:
يمكن استخلاص استراتيجية اتبعها الاحتلال الإسرائيلي منذ بداياته الاستيطانية لترسيخ احتلاله لأرض فلسطين التاريخية وأراض عربية، ولاستنزاف الدم العربي، تعتمد على أسلوب الاستفراد بالجبهات والاستفراد بأطراف الصراع.
لم يقتصر الاستفراد الإسرائيلي بالأطراف العربية على المسار الساخن الخاص بالصراع الحربي، بل شمل مساراً تمّ ويتم تسويق تسميته (مسار السلام). وهي تسمية معسولة التبست في الذهنية العربية التي لم تتساءل بعد: لماذا بعد إغراق العرب للكيان الإسرائيلي بمبادرات وخطوات واتفاقات سلام وتطبيع يتحصّلون على ثلاثين ألف شهيد فلسطيني وسبعين ألف جريح وآلاف المفقودين في أحدث المعارك التي مازالت مستمرة على ساحة غزّة؟!
شكّل مسار السلام تحييداً لأطراف عربية عن ساحة الصراع، وتحفيزاً إسرائيليا واضحا على اعتداءات متكررة على باقي أطراف الصراع بينما رومانسيات مسار السلام تتضمن في ديباجة كل اتفاقية سلام مع أي طرف عربي مقولة ملخصها (أن هذه الاتفاقية خطوة هامة على طريق إرساء سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط..)!
تثبت النتائج أنّ “مسار السلام” جعل من الكيان الإسرائيلي أكثر وحشية بل إنّ بعض مسؤوليه الرسميين يبدون رغبة واضحة في الانقلاب حتى على بعض اتفاقيات السلام مهددين بشكل مباشر الأمن القومي لذات البلدان التي ترتبط باتفاقات سلام مع الكيان الإسرائيلي.
إنّ استراتيجية الاستفراد الإسرائيلي بكل طرف عربي على حدة حدثت وتحدث أساسا برعاية أميركية ويتبناها الحلف الغربي الملحق بالولايات المتحدة الأميركية التي اعتمدت بعد الحرب العالمية الثانية الكيان الإسرائيلي ك”أجدى” مشروع يتيح لها العبث في شؤون المنطقة العربية بما يناسب مصالحها المرتبطة بتسيدها القطبية السياسية العالمية.
الاستفراد الإسرائيلي والغربي بالمقاومة الفلسطينية أسلوب يتم تطبيقه بوضوح أيضاً منذ اندلاع أحداث غزّة التي مازالت أسخن حدث حربي منذ بضع شهور، وتترافق الخطة الأميركية الإسرائيلية في هذا الشأن بمحاولة إيجاد فلسطينيين لديهم انفتاح على تفكيك بنية وإمكانيات المقاومة الفلسطينية ونبذها وإقالتها من أي فعل يخص إدارة الشأن الفلسطيني، لذلك فإنّ ما يعرف بـ (اليوم التالي) بعد الحرب المشتعلة في غزة، يشكل وفق وصفات أميركية وإسرائيلية أقسى الأسافين التي تعمّق الشرخ السياسي القائم بين القوى الفلسطينية ذاتها، والاستفراد أيضا بكل طرف فلسطيني على حدة.
منظومة غربية متكاملة مع أدواتها في المنطقة منشغلة من شهور بتسويق (السلام العربي- الإسرائيلي)، على أنّه السبيل لتحقيق أمن واستقرار المنطقة..، ويرتبط ذلك بتسويق مفهوم (اليوم التالي)، الذي يراد منه تنفيذ وصفة سياسية إسرائيلية، تدخل المزيد من الالتباس في الذهنية العربية التي أشبعت بأوهام السلام ويراد تجريب إشباعها بوهم آخر، لإقناعها بتقبل كارثة اليوم الأميركي التالي لغزة.
