عقارات مهملة تفتك بالاقتصاد وتستنزف “الصناعة” فهل حان وقت الإنقاذ؟.. فضلية لـ”الثورة”: نظرة إستراتيجية شاملة في إطار عملية إصلاح القطاع العام
تحقيق – جاك وهبه:
في عالم الاقتصاد والتمويل، تعتبر استثمارات العقارات والأصول الثابتة الحكومية والعامة من أبرز القطاعات الجاذبة لاهتمام المستثمرين والمؤسسات المالية على حد سواء، نظراً لثباتها واستقرارها على المدى الطويل، ما يجعلها خياراً مفضلاً للعديد من الأفراد والمؤسسات الباحثة عن استثمارات موثوقة ومستقرة.
وعندما نلقي نظرة على وزارة الصناعة مثلاً، نجد أمامنا موروثاً ثرياً من الأصول الثابتة والعقارات- يشمل بحسب معلومات حصلت عليها “الثورة” أكثر من 1200 عقار متوزعة على جميع أراضي البلاد تقريباً- ومن المفترض أن تكون محركاً للثروة والتنمية الاقتصادية، وهذا يثير عدة تساؤلات حول كيفية استغلال هذه الثروات، وهل تدار بالشكل المناسب لتحقيق الفوائد القصوى؟ فالتقصير في استغلال تلك الثروات يعني تضييع فرص تنمية الاقتصاد وتحقيق الازدهار.
– نقص التخطيط..
أحد خبراء الاقتصاد يرى أنه على الرغم من وجود عدد كبير من العقارات التابعة لوزارة الصناعة، إلا أن المعلومات تشير إلى أن العديد من هذه العقارات يعاني من الإهمال وعدم الاستثمار، وتظهر البيانات أن نسبة قليلة جداً من هذه العقارات تم استثمارها بشكل فعال أو توليدها للدخل.
وأعاد الخبير الاقتصادي التقصير في استثمار عقارات وزارة الصناعة إلى عوامل متعددة، بما في ذلك الإجراءات البيروقراطية الطويلة التي تعيق العملية الاستثمارية ونقص التخطيط والإدارة الفعَّالة للأصول، مشيراً إلى أن أهمية استثمارات العقارات والأصول الحكومية والعامة تتزايد كعناصر حيوية في دعم التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، ومع التزايد السريع للسكان وزيادة الضغط على الموارد، تصبح إدارة الأصول العامة والحكومية أمراً حيوياً لضمان استدامة النمو الاقتصادي وتحسين جودة الحياة.
– آثار مالية..
من جهته أشار الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية إلى أن تناول موضوع استثمار العقارات والأصول الثابتة الحكومية والعامة مسألة هامة، وأصبحت اليوم أكثر أهمية وضرورة نظراً لاتساع مساحته وآثاره المالية على إيرادات الخزينة العامة للدولة.
وبيَّن أنه مع البدء بعملية التأميم خلال فترة الوحدة مع مصر، والتي استمرت بشكل متقطع خلال الفترة 1963- 1966 نشأت نواة الملكية العامة والقطاع العام، وترسخت مع تطبيق تشريعات الإصلاح الزراعي التي استحوذت فيها الدولة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وضعت معظمها تحت تصرف (من يعمل فيها)، واستمر الأمر بطيئاً كذلك إلى فترة 1970 – 1973ليتم بعدها توسيع القطاع العام الاقتصادي على الأملاك العامة والحكومية لتحوز وزاراته ومؤسساته وشركاته على مزيد من العقارات كأصول إنتاجية اقتصادية ثابتة، وكانت وزارات الصناعة والتجارة والزراعة وما يتبع لهم من مؤسسات وجهات من الأكثر حظاً في تملك أو استثمار الوحدات العقارية.
– عبئاً ثقيلاً..
إلا أنه- يضيف فضلية- ومع توجه الدولة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي إلى اعتماد سياسة إشراك القطاع الخاص والمشترك في الحراك الاقتصادي، ومع التراجع النسبي للقطاع العام بعدها، ومع التدمير الممنهج لأصول القطاع العام والحكومي في بدايات وأواسط فترة الحرب أصبح تشغيل الكثير من العقارات (المتضررة وغير المتضررة) عبئاً ثقيلاً على الجهات العامة ومنها ما تملكه وزارة الصناعة من عقارات حالياً ويزيد عنها ما تملكه وزارة التجارة الداخلية من منافذ بيع يفوق هذا العدد، والمشكلة أن وزارة الزراعة (كما غيرها من الوزارات) لم تعد تستطيع إشغال أو استثمار كافة عقاراتها لممارسة أنشطتها بصورة مجدية، فاضطرت لطرحها للاستثمار والتأجير، ولكن (وحتى الآن) مقابل بدلات بخسة يمكن اعتبارها تفويتاً (وإهداراً) لإيرادات كبيرة مستحقة للدولة.
– توجه جديد..
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن هذا الأمر دفع الحكومة لإقرار توجه جديد حيال استثمار ملكيتها في كافة الوزارات والجهات العامة والحكومية فوجهت بإعادة النظر بمستوى البدلات الحالية وعدالتها بالمقارنة مع معدل التضخم ومستوى البدلات النافذة في السوق.
وبالتالي يوصي الدكتور فضلية أن تتوجه إستراتيجية هذا التحرك لتكون في إطار إعادة العقارات المستأجرة من القطاع الخاص إلى أصحابها مقابل التعويضات التي ينص عليها القانون، والتخلي عن العقارات السليمة غير اللازمة لجهات حكومية أخرى أو طرحها كلها أو بعضها للاستثمار من قبل القطاع الخاص، وتسوية أوضاع بعض المنشآت المبنية على عقارات تضررت كلياً أو جزئياً، إما بإعادة بنائها لاستخدامها في نفس النشاط الإنتاجي السابق إذا كان ذلك ضرورياً واستراتيجياً، أو في أنشطة أخرى، أو تحويلها إلى أبنية إدارية أو مشاريع تجارية أو سكنية بالمشاركة (المالية) مع القطاع الخاص.
– إعادة تصنيفها..
وأشار إلى ضرورة أن يكون قرار الاستخدام أو إعادة الاستخدام لهذه العقارات والمنشآت في ضوء إعادة تصنيفها بحسب نسبة تضررها ومن حيث أهمية أنشطتها، أو موقعها فيما إذا كانت استراتيجية، هامة ضرورية، عادية (رابحة- خاسرة)، هامشية (رابحة- خاسرة)، ذات أنشطة احتكارية للدولة أو ذات أنشطة لها بديل كامل أو جزئي لدى القطاع الخاص…الخ.
– عملية إصلاح شاملة..
وبحسب الدكتور فضيلة- لابد من أن يتم احتساب عائدية وجدوى الاستمرار بالأنشطة الإنتاجية الهامشية والعادية بعد احتساب قيم البناء أو الأصول الثابتة بأسعار السوق وليس بحسب قيمها الدفترية القديمة، وبحيث لا تقل عوائدها السنوية عن (8%) لتصنف بأنها مجدية تجارياً، وحتى المشروعات عادية وهامشية الأنشطة يمكن الاستغناء عنها لاستخدام قيمة أصولها في دعم تمويل الأنشطة الحكومية الإستراتيجية والأكثر أهمية.
كما يجب إعادة النظر ببدلات العقارات الحكومية ليتم تعديلها بحيث تكون قريبة (وأقل نسبياً) من البدلات السائدة في السوق، ويمكن رفع البدلات تدريجياً كل عام.
ولفت فضلية إلى أن ما ورد أعلاه بخصوص استثمار وإعادة استثمار أو تغيير طبيعة استثمار العقارات والمنشآت العامة والحكومية يجب أن يتم من خلال نظرة إستراتيجية شاملة في إطار عملية إصلاح شاملة للقطاع العام الاقتصادي تتناول عمله الإنتاجي والتسويقي والإداري والمالي ..الخ.
– أكثر من ألف عقار..
وحول هذا الموضوع بينت مصادر وزارة الصناعة أنه في إطار الاستثمار الأمثل للعقارات المملوكة من قبل الوزارة تم إعداد قاعدة بيانات تشمل جميع العقارات المملوكة للمؤسسات والشركات والجهات التابعة لوزارة الصناعة، حيث بلغ العدد الإجمالي لها 1263 عقاراً.
وأوضحت المصادر أنه تم تنزيل 1017 عقاراً منها عبر المنظومة الحكومية، ويتم متابعة 246 عقاراً لاستكمال إجراءات تسجيلها أمام الدوائر العقارية، ليتم استثمارها من خلال رؤية متكاملة للاستثمار الأمثل لهذه العقارات وخلق موارد جديدة للدخل.
– إعادة النظر..
وفي نفس السياق تعمل وزارة الصناعة حالياً على مراجعة بدلات الإيجار والاستثمار لكافة المواقع المؤجرة والمستثمرة وإعادة النظر فيها بما يتناسب مع حجم التضخم وتحقيق أعلى عائد اقتصادي منها، كما استكملت الوزارة إجراءاتها من أجل التخلي عن 6 عقارات مشمولة بالتمديد الحكمي مقابل بدل مالي وبعضها بدل عيني.
– استقرار اقتصادي..
في الختام، يظهر استثمار العقارات التابعة لوزارة الصناعة أهمية كبيرة في تعزيز النشاط الاقتصادي وتحفيز النمو الصناعي، ويتطلب هذا الاستثمار التفكير الاستراتيجي والمرن لضمان الاستفادة القصوى من الممتلكات العقارية، بما في ذلك إعادة تصنيفها واستخدامها بناءً على الظروف المتغيرة واحتياجات السوق، ومن خلال التنسيق مع القطاع الخاص واستشارة الخبراء، يمكن تحقيق مزيد من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية من هذه العقارات، وبالتالي دعم التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي في البلاد.