ما الذي يمنح حكاية صغيرة القدرة على صنع شريط سينمائي ثري وممتع؟
هذا هو السؤال الذي دار بين المشاركين في المخيم الطلابي السوري- الروسي فور (إسدال الستار) على المشهد الأخير من فيلم (دمشق حلب) للكبير دريد لحام بتوقيع المبدع باسل الخطيب عن نصٍ كتبه تليد الخطيب.
الفيلم المبني على نصٍ واقعي رشيق لا يعَدم، أو يُعدِم، الرموز العميقة، اختار كاتبه حبكة واقعية بسيطة، والواقعية في الفن لاتعني أن الحدث، أو الأحداث قد حصلت فعلاً، وإنما هي صياغة أحداثٍ قابلةٍ للحصول، مهما شملت من مصادفات، فالمصادفات، حتى العصية على التصديق، تحفل بها حياتنا في الواقع.
في حافلة عامة متجهة من دمشق إلى حلب، يلتقي في مقعدين متجاورين، المذيع الإذاعي العريق المثقل بذكريات العمل الإذاعي المُتّحد بتاريخ كفاح وأحلام الأمة، ومذيعٍ شابٍ ينتمي إلى تيار الخفة والاهتمامات الضحلة المجللة بإحساس النجومية، فكان لابدّ من التنافر، على الأقل من جهة المذيع العريق الذي يجد في ذلك مبرراً للانتقال من جوار المذيع المتشدق إلى جوار سيدة ستينية تبادل معها نظرة دافئة حين صعودها إلى الحافلة، لتبدأ من تلك اللحظة فسحة بوحٍ تضيء بعض ما بقي خافياً من جوانب شخصيته التي أضاء بعضها، قبل صعود الحافلة، حواره مع صديقه المُقدم على الانتحار، ورعايته الأبوية لابنة صديقه الراحل، ومساعدته للأم المتلهفة لمعرفة أي شيء عن ابنها المختفي، وتردده على استوديو الإذاعة ليستعيد ذكريات جميلة فيه.
تمثل الحافلة التي تضم أشخاصاً مختلفي الطباع والاهتمامات موقع التصوير الأساسي، وفي رحلتها التي تمتد (سينمائياً) أضعاف الوقت الحقيقي للفيلم، مجموعة متناثرة من الحكايات الصغيرة المتفرقة التي لا تلبث أن تجتمع في حكاية واحدة، مرة حين يقود المذيع العريق ركاب الحافلة لحماية أرملة وابنها الصغير الهاربين من استغلال أشقاء الزوج الغائب، ومرة ثانية حين يساند المسافرون الصحفي العريق بعد توقيفه على حاجز عسكري لتشابه الأسماء، ومرة ثالثة حين يقيم الجميع حفلاً على قارعة الطريق للعريسين الشابين اللذين أوشكا على التأخر عن حفل عرسهما إثر تعطل الحافلة، قبل أن تتكفل سيارة عابرة، بمبادرة من ركاب الحافلة، بإيصال العريسين إلى حلب.
ومع هذا الاجتماع للحكايات الفردية في حكايات جماعية، تبدأ حواجز الريبة والاختلاف بالتلاشي، فيرى كل واحد الوجه الحقيقي للآخرين المختلف كلياً عن تصوراته الأولى عنهم، وتبلغ ذروة هذه الحالة في حوار قصير بين الصحفيين يخلص فيه الصحفي العريق إلى القبول بالجديد الذي كان يرى فيه سخفاً وتفاهة، طالما أنه يؤدي إلى اللقاء بين الناس وصنع الفرح في حياتهم.
عودة إلى سؤال البداية: ما الذي يمنح حكاية صغيرة القدرة على صنع شريط سينمائي ثري وممتع؟
والجواب: وجود نصٍ ساحر ونجم عملاق وممثلين بارعين ومخرجٍ مبدع.