الثورة – ترجمة رشا غانم:
تعاني وسائل الإعلام الرئيسية، المتحالفة مع القوى الغربية، من انتكاسة كبيرة مما يمثل انتصاراً لوسائل الإعلام البديلة والقنوات الإعلامية ونكسة لـ “إسرائيل” في حرب المعلومات.
لم يعد العالم يستوعب المعلومات بطريقة تمنح أي طرف مخول السيطرة الكاملة على الروايات، وهذا الوصول المفتوح إلى جمهور عالمي يعيث فساداً في القصص التي كانت وسائل الإعلام الغربية السائدة تنقلها إلى مستهلكيها.
ففي وقت لاحق في 25 تشرين الأول، شارك مغني الراب العراقي البريطاني لوكي في عرض فني واتهم “إسرائيل” بانتهاج سياسة قتل الأسرى، وسلط الضوء على كيفية تحويل غزة إلى سجن في الهواء الطلق، واكتسب النشطاء المؤيدون للفلسطينيين، مثل لوكي ويوسف، رؤية في عرض مورغان، حيث قدموا مناصرة عاطفية للقضية الفلسطينية، على الرغم من وجود ضيوف مؤيدين لـ “إسرائيل” مثل ابن شابيرو، وقد أظهر مورغان العديد من الشخصيات المؤيدة للفلسطينيين، بما في ذلك محمد حجاب وحسن بيكر وسينك أويغور وحسام زملوت ورحمة زين ونيردين كيسواني، فقد جاء كل هؤلاء الضيوف في الغالب بشكل منفصل وكانوا يقاومون الرواية الغربية لهجوم 7 تشرين الأول ولا يسمحون للمؤيدين للإسرائيليين بالسيطرة على السرد.
ويجادل هؤلاء النشطاء المؤيدون للفلسطينيين، الذين يبدون صراحة واستعدادا جيدا للنقاش، بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ينتهك القانون الدولي، ويشكل تمييزا وفصلا عنصريا، وهو بمثابة تطهير عرقي، إنهم يدافعون عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة، وبالإضافة إلى ذلك، ينتقدون دعم الحكومة الأمريكية لإسرائيل، مؤكدين التواطؤ في جرائم الحرب ضد السكان الفلسطينيين.
هؤلاء المؤثرون ليسوا فقط صريحين على وسائل التواصل الاجتماعي؛ كما دأبوا على الدفاع عن قضاياهم في وسائط الإعلام الرئيسية، حيث يتعرض الجمهور الغربي للجانب الفلسطيني من السرد لأول مرة وهو يتزايد كل يوم.
لعقود من الزمان، كانت “إسرائيل” بارعة في تشكيل السرد من خلال وسائل الإعلام الرئيسية، وغالبا ما تعرضت وسائل الإعلام التقليدية لانتقادات بسبب التحيز في التقارير، مما يفضل منظور “إسرائيل”، فعندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين، غالبا ما يتم اتهام وسائل الإعلام الغربية بـ “خطيئة الإغفال”، مما يعني استبعاد المعلومات الأساسية لفهم شامل للصراع، ويتضح هذا جيدا في عام 1984 لجورج أورويل حيث يبدأ الحزب بشكل انتقائي ويوقف ساعة التسجيل للتلاعب بالسرد وإرباكه والتحكم فيه.
يسلط المحللون الضوء على العديد من العوامل التي تسبق “بداية الساعة” لوسائل الإعلام، وبمجرد حل الوضع، مثل توقف “إسرائيل” عن قصف غزة، تتوقف الساعة، وتحول الانتباه إلى مكان آخر هذا الإطار الزمني يخلق رواية تبدأ بالاستفزاز الفلسطيني وتنتهي بالانتقام الإسرائيلي.
في قنوات مختلفة، يحرف إغفال المقدمين الصورة، ويمحو سياق “إسرائيل” كقوة مسلحة نووياً تدعمها الولايات المتحدة تشارك في احتلال غير قانوني، وحصار، وجرائم موثقة ضد الفلسطينيين، وغالبا ما يتم التغاضي عن حصار إسرائيل المستمر منذ 16 عاما على غزة، والذي يحتجز 2 مليون شخص كرهائن، وبصرف النظر عن القصة أحادية الجانب، فإن ديناميكية قوية ولكن غالبا ما يتم تجاهلها هي استخدام اللغة من قبل وسائل الإعلام.
فقد أشارت صحيفة الغارديان إلى ما أسمته “الهياج القاتل الذي نفذه الفلسطينيون”، ووصفت الإيكونوميست “الهجوم المتعطش للدماء من قبل الفلسطينيين”، ومع ذلك، نادرا ما تستخدم وسائل الإعلام الغربية مصطلحات مماثلة لوصف الإجراءات الإسرائيلية، حتى في الحالات ذات الحجم الأكبر.
وتتجلى المزيد من الديناميكية المنحرفة في تصوير وسائل الإعلام، وغالبا ما توصف تصرفات “إسرائيل” في غزة بأنها تمارس “حقها في الدفاع عن نفسها”، في حين أن أي عمل فلسطيني من أعمال العنف يعتبر “إرهاباً”، ويطلق مصطلح “إرهابي” حصرياً على الفلسطيني.
يُنظر إلى التحيزات الإعلامية المؤيدة لـ “إسرائيل” على أنها انعكاس لتحالف الأخيرة السياسي الأوسع مع الحكومات الغربية، كونها متأصلة في النظام الغربي، و يجادل النقاد بأن هذه التحيزات تساهم في تهرب الأخيرة من المساءلة عن الأفعال المعترف بها عالميا كجرائم.
ومع ذلك، فقد فشل هذا التحالف بين الحكومات ووسائل الإعلام الغربية مؤخرا في تشكيل الرواية القائلة بأن “إسرائيل” هي الضحية، وظهر دعم غير مسبوق لفلسطين بين الناس في الولايات المتحدة وأوروبا، مع احتجاجات واسعة النطاق في مدن مختلفة، حيث شهدت لندن، على وجه الخصوص، أكثر من 100000 متظاهر في مظاهرة.
على عكس المظاهرات السابقة الهادئة نسبيا، فإن الاحتجاجات الحالية كبيرة بما يكفي لدفع السياسيين إلى إصدار تصريحات متوازنة بين “إسرائيل” وفلسطين، وتنقل هذه الاحتجاجات رسالة نادرة إلى صانعي القرار مفادها أن الدعم غير المشروط لـ “إسرائيل” قد يؤدي إلى خسارة بطاقات الاقتراع، كما وقف فنانون ونشطاء وشخصيات رياضية مع غزة، حيث إن وجود نشطاء مؤيدين للفلسطينيين في وسائل الإعلام الرئيسية، مثل البرامج التلفزيونية مثل بيرس مورغان، يدل على تحول في المشهد السردي، وتوفر هذه المظاهر منصة للنشطاء للتعبير عن آرائهم لجمهور أوسع، مما قد يمثل تحديا للتصورات السائدة.
واستخدم النشطاء المؤيدون للفلسطينيين المنصات لمواجهة الروايات السائدة وتقديم جانبهم من القصة، وعلى ما يبدو أن المشاهير الذين يتخذون مواقف مؤيدة لفلسطين يؤثرون على الروايات، فقد انتقد الكاتب والناشط النمساوي فيلهلم لانغثالر بشدة الحكومة لدعمها الثابت لـ “إسرائيل”، وأدان تجاهلها للخسائر المدنية الناجمة عن الضربات الجوية الإسرائيلية في غزة، وانتقل الموسيقي الشهير روجر ووترز، إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة مقطع فيديو يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وبالمثل، خاطب المغني البريطاني يوسف إسلام “اجتماع فلسطين العظمى”، وهو تجمع مؤيد لفلسطين، وحث على إنهاء الأعمال العدائية.
وبدوره، أعرب الممثل الأيرلندي ليام كننغهام والناشطة السويدية في مجال المناخ غريتا ثونبرج عن دعمهما للشعب الفلسطيني من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث شددت ثونبرج على ضرورة أن يطالب العالم بوقف فوري لإطلاق النار والعدالة والحرية للفلسطينيين وجميع المدنيين المتضررين.
المصدر – ذا بسنس ستاندارد