ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير- علي قاسم:
رغم كثافة ما يتسرب عن الاستراتيجية الأميركية بنسختها المعدلة، فإن ما بقي في الأدراج أكثر بكثير مما ظهر، وما تخفيه التسريبات قد يكون أخطر من ذاك الذي بان حتى اليوم، بدليل أن المعطيات تتدحرج وسط منزلق يبدو أكثر من كارثي،
على ضوء ما يستجد في لائحة الخفايا الأميركية، التي تتوالى في أمر عمليات متحرك للأدوات والحلفاء والشركاء والأجراء والمرتزقة بكل الاتجاهات.
وفيما تقف المنطقة على خط تصدّع منحدر باتجاه تصعيد لا يكتفي بممارسة العدوان الموصوف خارج الشرعية الدولية، تأتي الإضافات والاشتراطات وكأنها سيناريو تدريبي تقوده واشنطن في عملية توزيع الأدوار لأدواتها وحلفائها، لتضيف كل يوم ما يذهب بالقضية إلى ما هو أبعد من حدود التصعيد المتدرج، ويصل إلى حدّ إثارة عواصف وأعاصير سياسية وعسكرية وإعلامية ودبلوماسية متحركة في جهات الأرض الأربع.
فالفشل الموصوف والمعتمد رسمياً في تقارير التقييم الأميركي لعمليات تحالفها، ورغم الإضافات اليومية ولائحة الملحقين بهذا التحالف، لم يدفع بالإدارة الأميركية إلى إعادة النظر بعبثية ما أقدمت عليه، ولا إلى القناعة بأن طبخة الحصى التي أنتجها ذلك التحالف لا يمكن أن تنضج يوماً، بقدر ما جرّها إلى الغوص في خيارات عسكرية عقيمة وكارثية تخلط الحابل بالنابل، وتقوم على مفردات المواجهة المحتدمة، دون أن تخفي ميلها الفطري إلى الأخذ بحماقات الكثير من أدواتها، وفي المقدمة تركيا التي تقامر بوحدة أراضيها، والسعودية التي تغامر بوجودها، وقد رصدت ما تراكم في خزائنها لإشعال المنطقة لعقود قادمة.
ما يتسرب بالتأكيد خطير، لكن الأخطر منه هو ما تعمل واشنطن على تنسيقه خارج الأضواء وفي سراديب الأقبية الاستخباراتية، وهذا يشي بملامح مرحلة من التصعيد الذي يندرج في خانة الإجهاز على ما تبقى في المنطقة، ليعم الخراب والدمار حين تشعل جبهات الاقتتال بفتيل صاعق من الحماقات والمقامرات.. وقودها شعوب المنطقة ومقدراتها البشرية والمادية والعسكرية، وأعواد ثقابها حالمو سلطة وسلطنة، ومغامرو وجود ومصير، ومحترفو تبعية واستئجار.
من تدريبات واشنطن لطيارين من الشرق الأوسط، إلى محاولاتها المحمومة لإقناع الدول الإقليمية بإرسال قوات برية، مروراً بتغييرات تكتيكية في مهام وأهداف التحالف القائم، ثمة تحوّل خطير في منهج وسلوك الأميركيين، وهو تحوّل لا يلغي كل التصريحات الأميركية السابقة فحسب، بل يضيف الكثير مما كان يصنّف في دائرة الخطوط الحمراء التي وضعتها واشنطن في تحالفها المعلن.
على المقلب الموازي لتلك التسريبات المعلنة رسميا أو «النافرة» سراً، تمضي السياسات الأميركية بدحرجة كرة النار المشتعلة، ولا تنفك عن ممارسة أقصى درجات المناكفة مع المجتمع الدولي في تجريف إضافي للعلاقات الدولية التي تحشرها واشنطن في زوايا حادة، متواجهة ومتصارعة داخل مربع الهيمنة الذي تريد له أن يعود إلى سابق عهده.
المفارقة القائمة تمتد في عمق المسعى الأميركي إلى زيادة مساحة الاشتعال في المنطقة، بحكم أن كرة النار التي تدحرجها السياسة الأميركية تجاوزت المطالب التقليدية والأهداف المعتادة لتلامس عتبة جديدة من المخاطر التي لا تقف عند حدود عدوان موصوف، ولا تقتصر على مخالفتها لأبسط قواعد العلاقات الدولية، وإنما تفتح المنطقة والعالم على المجهول، وتضرم النار وسط بوابات مفتوحة على مصراعيها.
وفق هذا المنحى ثمة من ينتظر في كواليس الأزمة إضافات أميركية استجدّت بإعادة تكليف أدواتها بمهام خارج سياق المطلوب منها وظيفياً، وتكفي كي تمتد النار الملتهبة خارج المنطقة، والتي تجاوزت مخاطر تفشّي الإرهاب وما يحمله في طياته من تحديات تجاوزت في تهديدها الأمن الوجودي للمنطقة لتكون بؤرة متنقلة للنار في أماكن أخرى من العالم.
اليوم، لم تعد أميركا وأدواتها تكتفي باللعب بالنار بل باتت وسطها ووقوداً يزيد اشتعالها، تحملها على أكف استخباراتها وأذرع مرتزقتها لتلهب بها المنطقة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها.
الأولوية الأميركية المقابلة والملحة ليست إطفاء ما اشتعل بقدر ما هي إحراق ما لم يشتعل حتى اليوم والحرائق تتنقل من كتف إلى كتف، بينما يشكل الإرهاب والدول والأدوات الداعمة والمموّلة والحاضنة أعواد ثقاب، تنذر بما لا طاقة للعالم على تحمل نتائجه الكارثية التي ستطول ولو بعد حين من يُذكي تلك النار.
a.ka667@yahoo.com