المثقف الّذي نحتاج إليه

الملحق الثقافي- أيمن أحمد شعبان:
المثقف الذي نحتاج إليه، هو المثقف الذي بينه وبين والمطر أكثر من وشيجةِ اتصالٍ تجمعُ بينهما، لكنهما يتفقان على مساحة واحدة هي مساحة الإحياء، فالمطر يُحيي الأرضَ والمثقف يُحيي العقول.
وقبل أن أبدأ الحديث عن هذا المثقفِ، لا بد لنا من أن نتحدث، ولو قليلاً، عن مفهوم الثقافة الواسع الذي اْشتُقَّ منه مصطلح المثقف.. فما هي الثقافة؟.
الثقافة كلمة واسعة المفهوم والدلالة والنطاق، ظهرت كمصطلح في نهاية القرن التاسع عشر في أوروبا، ثم في روسيا، ثم انتشرت في مختلف بلدان العالم.. وهي تشمل الإلمام والدراية بصنوف العلم، والمعرفة، والتراث، والحضارة، والعقائد، والعادات والتقاليد، والأفكار والفنون والآداب والحرفْ والمهن.
وهذه خلاصة كل التعريفات التي تناولت مصطلح الثقافة، وهي كثيرةٌ جداً، وتشمل كلّ مجالات الحياة، وعلى أساسها يمكن أن نميِّز بين الأمم والشعوب المختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأدبياً وفنياً.
1- أما المثقف؟
فقد أجمع العلماء على أنه (مفهوم يُستخدم للإشارة إلى شخصٍ مصقولٍ صقلاً عقلياً عالياً، وله درايةٌ وإلمامٌ بالآداب والعلوم والفلسفة والفنون والمهن)، ومن هذا التعريف وغيره من التعريفات الكثيرة الأخرى للمثقف، يمكننا الاستنتاج بأن «المثقفَ الحقيقي» شخصٌ:
.متسلحٌ بالعلم والمعرفة، ويمثل وعياً بأحوال مجتمعه وحاجاته وتطلعاته، وينحاز إليه.
.ذو نزعة عقلانية نقدية بناءَة، ويميل للاستقلالية الفكرية الموضوعية والواقعية.
.يتحلّى بالأخلاق والسلوك اللذين يسهّلان عليه ِالقدرة على الفعالية والتأثير الإيجابي.
.يعتز بهويته الوطنية والقِيَمية ويفاخر بها ويدافع عنها ولا يتنازل عنها تحت أية ظروف.
ولهذا كان «المثقفون الحقيقيون» لا «المزيفون» عبر التاريخ يدفعون الأثمان الباهظة لأفكارهم ورؤاهُم، لأنهم يشكلون خطورة على كل الأطراف الطفيلية الفارغة والتافهة التي تعيش في حالات غياب الوعي في المجتمعات.. فـ»المثقف الحقيقي» يمتلك فهم الماضي، والوعي بالحياة، والخوف من المستقبل، وقوة الكلمة، وأصالة الرأي، والدفع بالحجة كي ينسف بها أي خطاب لا يراه يتسق وقيم الحياة الطبيعية والإنسانية… ولهذا نرى أن التاريخ الإنساني يحفل بقَصَص الصراع بين المثقف الحقيقي وأعداء الثقافة والحياة.. ففي العصر الإسلامي العربي حدِّث لا حرج.. إذ إن الكثيرين من علماء الأمة ومفكريها اتّهِموا، في عصرهم، بالزندقة والهرطقة، أو أنهم انحرفوا عن الإسلام وتم تكفيرهم جميعاً.. وإلا فلماذا قتل ابن المقفع قتلةً شنيعة؟، ولماذا سجن أبو حنيفة؟، لماذا هُرِّب الشافعي من بغداد إلى مصر؟، ولماذا اْضطُهدت الأئمة؟، ولماذا جُلد الحلاج وصُلِبَ؟، ولماذا قُتل المتنبي؟، ولماذا أُبعد ابن خلدون؟، ولماذا قُتل الطبري؟، وأُعدم السُّهروردي وحُبس المعرّي وهو أعمى؟، ولماذا جُلد الكِنْدي؟، ولماذا حُبس ابن رُشد وحُرِقَت كتبه في الساحات تحت صيحات الله أكبر؟، ولماذا كُفِّر ابن سينا والرازي والفارابي ؟، ولماذا حكم على عبد الرحمن الكواكبي بالإعدام وقام الآباء المسيحيون بتهريبه إلى مصر؟، ولماذا.. ولماذا؟!. ولماذا في عصرنا الحالي خرجت فتاوى الأزهر، لتعتبر أن عميد الأدب العربي طه حسين، ونجيب محفوظ، وفرج فوده، ونصر أبو زيد، وإسلام البحيري، كافرين ومرتدين؟. ولماذا في عام 2019 أفتى الأزهر نفسُه بأن داعش من أهل القِبلة وينطقون بالشهادتين ولا يجوز تكفيرهم؟؟!.
ولعل المتنبي صوَّر حال العلماء والمثقفين في أمتنا العظيمة، حين قال:
(أنا في أمة، تداركها الله…..غريبٌ كصالحٍ في ثمود).
إلا أن الأمر لا يقتصر على العرب والمسلمين وحدهم .. فتواريخ المجتمعات والأمم الأخرى قد شهدت في تعاملها مع مثقفيها المتنورين أفعالاً مشابهة.. وفي هذا أذكر أنني قرأت أن المدعي العام في دولة موسوليني، وأثناء محاكمة الفيلسوف الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي، قال:(يجب أن نوقف هذا الدماغ عن العمل لمدة عشرين عاماً!)، كما أن وزير الثقافة الألماني النازي جوبلز اشتهرت له عبارة قال فيها:(عندما أسمع كلمة مثقف أتحسس مسدسي!).. وكيف أن عالم الفلك الإيطالي جاليلو حُبِسَ وأُجبرَ على التراجع عن فكرته بدوران الأرض!، ولماذا مُنع الفيلسوف البولندي الأصل كوبرنيكوس من طبع آرائه ونظرياته العلمية ونَشرِها، وكيف مات الفيلسوف اليوناني سقراط مسموماً!.. ومن يقرأ كتاب(النزاع القائم بين العلم والدين أو اللاهوت) لمؤلفه «أندرو وايت» رئيس جامعة كورنيل البريطانية يجد أسماء عدد كبير من العلماء والمفكرين الذين طاردهم المحافظون والمتشددون في أوروبا.
وهذه الأمثلة من التاريخ وغيرها الكثير، لا تثير الاستغراب، لأننا نُدرك حجم خطورة دور العلماء والمثقفين الحقيقيين، الذين يمتلكون ناصية الحق والحقيقة، ويستطيعون إيصالها للناس، لتفعل فعلها في وجودهم ومستقبلهم وتقرير مصيرهم.
وعَوْدٌ إلى بدء.. فليس بالضرورة أن يكون المثقف كاتبًا أو شاعرًا أو فنانًا أو معلمًا أو جامعيًّا، إلا إذا كان يعرف كيف يخدم بشهاداته أو تحصيله العلمي أو فكره أو موهبته الناسَ من حوله، أي كيف يوظف علمه ومعارفه ومواهبه ومهاراتِه في إنتاج أفكار جديدة ونافعة، يتفاعل فيها مع المجتمع الذي يعيش فيه، ويساهم في نهضته الفكرية والثقافية، سواء في القضايا الاجتماعية التي يعيشها، أو في القضايا الكبيرة التي تهم الوطن. فعَالمُ تاريخِ اللغات الفرنسي «أوغست كارتول» يعتبر المثقفَ (شخصاً يضع ذكاءه وعلمه في خدمة كل الوظائف والممكنات التي تخدم مَنْ حَوله!)؛ وكذلك برنارد شو الذي قال (الإنسان المثقف هو الذي يعطي الحياة أكثر مما يأخذ منها)، أو كما قال سارتر (المثقف شخص يقوم بأفعال بناءة لم يطالبه بها أحد).. وهنا تبدو صورة المثقف الحقيقي الذي يقوم بالأعمال الجليلة دون انتظار مكافأة أو حتى كلمة شكر!.
قبيل الحرب الإرهابية العدوانية على بلدنا، كانت الحياة الثقافية في سورية حافلة بالبرامج والندوات والمهرجانات والملتقيات وغيرها الكثير من النشاطات والفعاليات الثقافية، وكان يدعمها حضور وشغف وتفاعل وتواجد ومشاركة من كلِّ الأطياف والشرائح المثقفة المتعلمة وغير المتعلمة في المجتمع. وكان هذا المشهد يعكسُ الصورة الحقيقية للتجانس بين الثقافة والمثقف. وقديماً قيل إنَّ لكل زمان رجال، وهذه المقولة صحيحة، لهذا ما كان ينبغي أن يتراجع زخَمُ الحراك الثقافي وينشغلَ عنه جمهورُه منذ ذلك الحين.. ففي سورية الكثير من القامات الثقافية التي كانت ولا تزال قادرة على أن تحفظ صحة الحياة الثقافية بمشاركاتها وإبداعاتِها وإسهاماتِها وعطاءاتها وخصوصاً في الحروب والأزمات.
واليوم.. ومع أننا نشهد حركة متجددة لتلك الأنشطة والفعاليات الثقافية، فإننا نشهد تراجعَ وتيرةِ فاعليتها والاهتمام الرسمي أو الشعبي بها، وخاصة فئة الشباب، وحضورها ومتابعوها قِلّة، وإذا استمر هذا التراجع، فالخاسر الأكبر في ذلك هو أجيالنا القادمة التي من المفترض ألَّا تتوجه للعالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي بقــدْر ما تتوجه إلى الواقع بكل تجلياته.
قد يُرجع بعضنا السبب في هذا التراجع إلى التقصير في دعم واهتمام ورعاية بعض الجهات الرسمية للمثقفين وقضاياهم، وعدم مواكبة مشاركاتهم في النشاطات والفعاليات الثقافية، هذا صحيح نسبياً!.. ولكن ماهي أسباب انصراف الكثيرين من الناس العاديين عن الاهتمام بالثقافة والمثقفين وبالأنشطة والفعاليات الثقافية؟!..
لعل أُوْلى هذه الأسباب تكمن في جهل «مدّعي الثقافة والأدب» لحقيقة أن الأدب لا يسمى أدباً إلا بتأدُّبِ أصحابه، وسعةِ اطلاعهم، وجمالِ أخلاقهم، وأفكارهم، وإنتاجهم. وباعتراف كبار الأدباء والنقاد السوريين، إن الحالة الثقافية عموماً قد تراجعت بفعل أولئك «المتثاقفين» الذين أنتجوا أعمالاً تافهةً، بمضمون سخيف وأسلوب ركيك، فكتبوا وطبعوا ونشروا شعراً أو نثراً أو مقالة أو رواية أو قصة أو كتاباً، ويدّعون أنها من صنوف الأدب الذي ينسبون أنفسهم ظلماً وجوراً إليه. والمصيبة أن معظم هؤلاء «المتثاقفين» أصبحوا أدباءً بين يوم وليلة، واتسعت لهم آفاق الانحدار والإسفاف ليمعِنوا في اتساع رِقعة الرداءة في وسطنا الثقافي.. إن هذا ببساطة يعدّ تجنيًا على الأدب وإسفافاً فيه، في الوقت الذي نجد فيه أدباءً مبدعين كُثر مغمورين لم يُروَّج لهم، ولم نسمع عنهم، ولم نقرأ لهم، وقد خطّت أقلامُهم إبداعاتٍ فيها الكثير من المتعة والفائدة، ولكنهم لا يكتبون الغَثَّ التافه، ولا هذا المستوى من الهذيان!.
سبب آخر لهذا التراجع أيضاً، هو اهتمام الناس الكبير بشبكات التواصل الاجتماعي وخصوصاً منها تلك التي تقتل الوقت، وتسخِّف العقل، وتحتفي بالتفاهة، وتزدري الفكر والقيم الإنسانية، حيث يمكن لمتنبّئة دجّالة أن تصل إلى ملايين المتابعين، أو لممثلٍ متعجرفٍ مغرور أن ينتصر على أكبر الفلاسفة والمفكرين المشهورين، أو لأي شخص، حتى ولو لم يكن له حظ من التعليم، أن يستهجن ويستخفَّ مقالاً علمياً لا يفهم شيئاً من مضمونه.. وتكاد تلك الوسائل والشبكات أن تلغي معيار صدقية الأفكار والمضامين في ما تحمله من رسائل ومعارف، لتجعله فقط في عدد المعجبين والمتفاعلين والمتابعين، مما جعل رواد هذه الشبكات يبحثون عن طرق أخرى ترفع نسبة المتابعة بأية وسيلة مهما أغرقت في الخلاعة والمياعة والانحطاط الأخلاقي. كما أن بعضهم أوغلوا في الرعونة، بقصد أو بدون قصد، فنشروا ما يثير النعرات والفوضى والكراهية، ومهّدوا للمفاهيم الليبرالية، والتطبيع، والخنوع، وتخريب العقول.. فأصبحت عوالم السوشال ميديا بشكل أو بآخر تسهم في صنع الرأي العام، وتخلق بدورها تباعداً وقطيعة بين المجتمع من جهة والثقافة والمثقفين من جهة أخرى.. وكل ذلك للأسف، بسبب غياب الوعي الفكري والأمن الثقافي المجتمعي، الذي من المفترض أن يصنعه المثقفون الوطنيون الحقيقيون ويحصِّنوه في عقول الناس…
وإذا أضفنا إلى كل ما ذكرته من أسباب، حقيقةَ تأثر الناس بالعامل الاقتصادي الضاغط، وضعف الدخل، وانشغالهم بتأمين لقمة عيشهم، وغلاء الكتب، واختفاء الصحف والمجلات الورقية، وانصراف الناس عن القراءة، وغيرها.. سنجد أن هذه الأسباب بمجموعها، قللت من اهتمام المجتمع بالثقافة والمثقف إلى حد كبير، ليتحول اهتمام الناس إلى مناح أخرى بديلة.. وهذا ما نراه حينما يُقام لأحد المطربين حفل غنائي في مكان ما، كيف يتهافت الناس للحضور وكذلك وسائل الإعلام كيف تتسارع لنقل الحدث، وهذا المشهد وهذا الإقبال الكبير يتكرر حدوثه عند قيام المطاعم والمقاهي وصالات العرض بنقل مباريات كرة القدم المحلية أو العالمية.. أما حينما يُلقي عالمٌ أو مثقفٌ محاضرةً، أو تقامُ ندوةٌ تجمع عدة مثقفين، فيحضر عدد قليل من الأشخاص وتجد الإعلام، على الأغلب، غائباً عن نقل الحدث، أو الإشارة إليه بشكل لائق!
إن إعادة النظر، اليوم، بأهمية المثقفين الحقيقيين ودعمهم وتفعيل دورهم التنويري، هي حالة جماعية، ملحة، تقع على الجميع «الدولة والمجتمع والمثقفون أنفسُهم»، فكما أن للدولة دورٌ في إعادة الربط بين المثقف الحقيقي والجمهور، من خلال دعمه مادياً ومعنوياً سواء بالتمكين، أو الظهور، أو الدعوة لقراءته والتعريف بفكره ومؤلفاته، أو طباعة ونشر إنتاجه الفكري، أو تحفيزه وتكريمه. فإن للمجتمع دورًا مهمًا أيضاً في تحديد مكانة كل من يدّعي أنه مثقف، ومساعدة المثقف الحقيقي الذي يمثله شكلاً ومضوناً، ويريده ويحتاج إليه للقيام بتثقيفه وتنويره، لأن نجاح المثقف بدوره الحضاري يعني في نفس الوقت نجاح المجتمع في إعادة بناء ذاته والعكس صحيح.
في الإجابة السريعة على السؤال: من هو المثقف الذي نريده ونحتاج إليه؟، الذي أشرت إليه في عنوان هذه المقالة، أقول: هو شخص متواضع محبوب، يتمتع بمؤهلات وخبرات ومزايا وصفات تجعله قادرًا على القيام بدوره التثقيفي التنويري والمساهمة في إحداث نهضة متجددة يعود من خلالها للحياة الثقافية وهْجُها وتألقها.
* فعلى الصعيد الشخصي يجب أن يكون:
1. خلوقاً، وصادقاً، ومتواضعاً، ولطيفاً، يحترم نفسَه وعلمَه ويحترم الناس من حوله.. وليس أنانياً، ولا نَرجِسياً، ولا فوقياً، ولا تُبهره الأضواء.
2. أن يكون ضميرُه حيّاً، وإحساسُه عميقاً بمسؤوليته الأخلاقية والفكرية، ولا يقبل بأن يلعب دورَ تاجرِ الأفكارِ المغلَّفَةِ بالنفاق والانتهازية والإساءة للآخرين.
3. أن يكون صادقَ الشعور بالانتماء للوطن، والاعتزاز بهويته الوطنية قولاً وعملاً.
4. أن يكون إيجابياً في تفكيره ومواقفه، متفهماً ومحترماً لرأيه وللرأي الآخر، وساعياً إلى نشر ثقافة التفاؤل والعمل والإنتاج، بدلاً من اليأس والتباكي على ما كان.
5. أن يمتلك حصانة فكرية مستقلة قوية، غيرَ قابلةٍ للتأثر بأية ثقافات دخيلة.
* أما على الصعيد العملي، فيجب:
1- أن يكون واعٍ في تعامله مع سيرورة الزمن؛ ويعيش حاضرَه ولا يغرق فيه.
2- أن يتصدى للتحريض الطائفي والمذهبي والعشائري والمناطقي والعائلي والشللي.
3- أن يحارب الفساد والمفسدين، والخونة والمارقين، ويسعى للإصلاح والتغيير البنّاء.
4- أن يعمل على نبذ كل ما من شأنه أن يشكل خطراً على سلامة شعبه وجغرافية وطنه.
5- أن يتطرق دائماً عبر وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أو المرئية للقضايا المهمة التي تلامس أوجاع الوطن، وتُحدث تغييراً فعلياً في عقلية المتلقّي الحائر أو القلق، ويحذّرَ من السير وراء القضايا التافهة التي تهدف إلى تغييب العقل وراء اهتماماتٍ تصيبه بالخدَر والتبلد.
6- أن يكون منهمكاً بتفاصيل وآليات تطوير الحياة الثقافية، ويتواجد في الملتقيات، والمنتديات، والمراكز والصالات الثقافية، يشارك، ويحاور، ويحاضر، وينتقد.
وهنا.. قد يسأل سائل: وأين سنجد هذا المثقف الذي يتمتع بكل هذه المواصفات؟.. وأنا أؤكد أن من يحملون أغلب هذه الصفات، موجودون وهم كثر، ولا تخلو ميادين ثقافتنا المنتشرة في أرجاء بلدنا منهم.
لقد خُدِعنا على امتداد عقود من السنين بـ « مثقفين مزيفين» روجّوا لأنفسهم مجموعة شعارات زائفة، كانوا ديماغوجيين لا يريدون الوقوف على حقائق الأشياء مع نزق كتاباتهم الإنشائية، والأخطر من هذا وذاك هي تقلباتهم ذات اليمين وذات الشمال، فتجده يسارياً، وفجأة تراه يمنياً متطرِّفاً.. وتجده تقدمياً، وفجأة تجده رجعياً متشدداً.. وتجده يتحدث بالقيم الوطنية والتحررية، وفجأة تجده يسّوق لمشروعات الاستسلام والتطبيع والليبرالية.
وهذا ما كَشَفتهُ السنواتُ الأولى للحرب الإرهابية الكونية الظالمة التي فرضت علينا عام 2011م.. أما رأيتم ذاك التباين الذي ظهر، تباعاً، في مواقف المثقفين مع تطور صور العدوان وشراستها؟، فهناك من «المتثاقفين» من صدمهم هول المشهد، وأوهَنَهم «تثاقُفُهم وضَعفُهم»، فاكتفوا بدور المتفرّج الصامت إزاء ما كان يحدث وكأنهم غير معنيين بما يجري، وهناك مَن لم يسمح له «زيفهُ ونفاقه» أن يحدد موقعه ومكانه، فامتنع عن تحديد هويته وموقفه بشكل واضح وعلني، وبقي رمادياً يميل مع كل ريح.. وبعضهم الآخر من انضم إلى قطعان الأعداء والإرهابيين والمخربين بسلاحه وماله وقلمه، ومنهم من دفعتهم أيديولوجياتهم العفنة ونفوسهم الموتورة وأحقادُهم المتوارثة إلى الهروب من حضن الوطن إلى أحضان أسيادهم في بعض الدول العربية والغربية تحت ذريعة اللجوء والمعارضة.. فافتُتِحت لهم قنواتٌ ومنصاتٌ سوداء، وصحفٌ صفراء، ليُزيّفوا ويحرّفوا ويفبركوا ويحرِّضوا على الكراهية والعنف والتمرد والفوضى في سورية، ويتحوّلوا بواسطتها لمجرد بوق يتم النفخ فيه وقت الحاجة، ومن بعد ذلك يتم التخلص منهم إما بتهميشهم أو إسكاتهم ببضعِ دولارات، أو التخلص منهم في أحسن الأحوال.
                          

العدد 1184 –2-4-2024        

آخر الأخبار
المركزي يصدر دليل القوانين والأنظمة النافذة للربع الثالث 2024 تحديد مواعيد تسجيل المستجدين في التعليم المفتوح على طاولة مجلس "ريف دمشق".. إعفاء أصحاب المهن الفكرية من الرسوم والضرائب "التسليف الشعبي" لمتعامليه: فعّلنا خدمة تسديد الفواتير والرسوم قواتنا المسلحة تواصل تصديها لهجوم إرهابي في ريفي حلب وإدلب وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة بالعتاد والأ... تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة