الملحق الثقافي- حسين صقر:
تبقى السطور والحروف والنظريات العلمية، وكذلك القيم والمبادئ الأخلاقية مجرد حبر على ورق، أو مواعظ تتناقلها الألسن مادامت بعيدة عن الواقع ولا يتم تطبيقها بالشكل الأمثل، و كي تستفيد منها البشرية.
كثيرة هي الأحزاب والمؤسسات التي خطت أجمل النظريات وأبلغها ووضع منطلقاتها ومبادئها وأنظمتها أدهى المفكرين وأكثرهم خبرة وتجربة، ولكنها مع كل أسف بقيت لاقيمة لها لأنها لم تطبق على أرض الواقع، ولم تقرن أقوالها بأفعالها، فتحولت إلى سراب مجرد خال من الروح، ووهم وخيال ليس إلا، لأن السواد الأعظم من أتباعها وجد فجوة كبيرة بين ما يُقال، ويتم فعله، وبين الوعود التي تُقطع والبون الشاسع عن عدم تنفيذها.
فالمعرفة وعلومها جيدة لا محال، ولكن في حال اقترن القول بالفعل، والصدق بالكلام.
لهذا كله بات تحويل تلك الدوحة من المعارف والنظريات الوجدانية إلى خطط وبرامج وأفكار قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، لا أن تتشابه مع سابقاتها، وبذلك تكون تلك الشعارات والنظريات واقعاً حقيقياً يفرض ذاته، وإلا باتت كرامة الإنسان في أي مجتمع لا على التعيين مجرد كلمة لا تسمن ولا تغني من جوع، عدا عن أن صورة تلك الكرامة وصاحبها يسقطان مع أول اختبار مواجهة تفرضها الظروف.
البعض يسعى جاهداً لتعزيز التعددية الثقافية، وهذا لاضير فيه، اللهم إذا اقترنت مبادئ وقيم تلك الثقافة بالفعل وارتبطت بالوفاء بالعهود، ولكن عكس ذلك سوف تنظم إلى سابقاتها من تلك النظريات.
بالمقابل يؤكد آخرون أنه من الأفضل لتحويل المعرفة إلى حقيقة وإبعادها عن الوهم، هو الربط بين العقل والوجدان و تضافر جهود علماء التربية والقانون والدين بمختلف مؤسساتهم لتوحيد الرؤى الفكرية والحث على عدم إبقاء المعارف حبيسة الكتب والمكتبات والرفوف، ومجرد خطب وشعارات تلقى في المناسبات الاجتماعية المفرحة والمحزنة، كأن نستمع إلى صلاة الجنازة ويأخذنا الخشوع والورع إلى ما لانهاية، وبعد دفن الميت نعود إلى غينا واستكبارنا وعنجهيتنا وتفاخرنا واعتدادنا بأنفسنا والجنوح نحو أكل الحقوق والاعتداء على الآخرين وعدم الاعتراف بالأخطاء.
فالنظرية تقول لا تسرق لا تكذب لاترتكب الفواحش و المحرمات إضافة إلى مجموعة من اللاءات من أجل عيش مشترك وتقبل الآخر وتنمية إنسانية قوية، ولكن الواقع يجب أن يكون هكذا بالفعل، ولكن مع كل أسف نرى أن كلام الليل يمحوه النهار.
يقع عاتق تحويل النظريات إلى حقائق معاشة، المدرسة والأسرة ودور العبادة والمراكز الثقافية والبرامج والندوات الشبابية لإنجاح تلك العملية، وعدم إبقاء مايقال حبيس الألسن والخزائن، وكذلك تنشئة جيل يقترن قوله بفعله.
نعم إن البوابة الأولى لتلقي العلوم الدنيوية هي كلمة إقرأ، لكن ما فائدة القراءة والكتابة، إذا لم نطبق أقل ما يمكن اليسير منها، ومع أن تلك الكلمة هي الوسيلة الوحيدة لانتقال المعرفة، و القراءة تفتح آفاقاً أوسع وأشمل للإنسان، لكن تطبيق ما تتم قراءته هو الهدف الأسمى والغاية الأنبل،، وهو الأمر الّذي سيؤدّي حتماً إلى تطوير الحياة سواءً على الصعيد الشخصيّ أم على الصعيد الجماعي، وهنا نعود أيضاً لدور المدارس والمؤسسات الثقافية التي يفترض أن تلعب دور المراقب على تطبيق تلك العلوم والمعارف وتحويلها إلى وقائع.
فالمزيد من البحث والقراءة والترجمة وإقامة المسابقات لتعزيز القراءة، لا نفع له إذا لم يقترن بالتطبيق، لأنه بالعلم والمعرفة تبنى الأمم، وبتطبيقها تزدهر.
العدد 1184 –2-4-2024