مسافرٌ بلا سفر

الملحق الثقافي- نادين معين أحمد:
على قارعةِ طريقٍ موحلٍ بالطّين الشتوي وقفَ ينتظِرُ قطارَه البعيد
انتظرَ كثيراً.. لم تتوقفِ العاصفةُ عن لفحِ وجهِه الكهلِ بغربةٍ لم تَصر بعد
انتظرَ أيضاً وأملٌ يغفو على مدِّ ناظرَيه.
تساءل: أواقفٌ أنا منتظِراً إكمالَ العبورِ، أم عساني لا أدري قَواعدَ الانتظار؟
رافقَ ذاكرتَه شريطُ طفولتِه المزدحمِ بالصور، استطاعَ أن يختارَ صورةً تتناسبُ مع ابتسامتِه الصفراءِ تلك؛ حين كان في الصفوف الإبتدائية الأولى، إذ كان عليه أنْ ينتظرَ قدومَ المعلِّم الجديد مع رفاقِه في أوّل القرية فرحين بقدومه
انتظروا حينها كثيراً ولم يأتِ المعلّمُ.
لم يبرحوا أماكنَهم إلى أن جاءَهم أحدُ الأُخوةِ الكبارِ يعلمُهم أنّ انتظارَهم بلا فائدة لأنّ المعلّمَ لن يأتي.
خابتْ قلوبُهم وامتلأت عيونهم بالدموع وهم يتساءلون لماذا لن يأتي هذا المعلّمُ؟
ليعلموا بعد ذلك أنَّ قريتَهم بعيدةٌ جداً ولاجلادةَ للمعلّمِ أن يبتعدَ عن أسرتِه.
وضع يدَهُ في جيبه بحسرةِ ثم أخرجَ عملةً ورقيةً من فئةِ الخمسة آلاف تأمّلَها ثمَّ أعادَها إلى مكانِها.
أقنعتْه غيمةٌ حانيةٌ على أهميّةِ البقاءِ، بينما ظلَّ الأملُ غافياً ينتظِرُ مَن يُرشِدُه إلى الصحوِ المنتظَر.
مرَّ القِطارُ بين موجةٍ من الضبابِ تُرافِقُها زخّاتُ مطرٍ قاسٍ كقسوةِ الحيرة التي في داخلِه.
لحْظٌ من الصمتِ يذاكرُ العناوينَ القادمةَ في مخيّلتهِ بين ما كان وما سيكون.
مُجاهِداً في إكمال نواقصِها المتفرّسةِ بالقادم الذي لا يدريه.
تُرى أيّةُ عُكازةٍ ستمنعُهُ عن الميَلانِ المرِّ.
أثارَ ارتباكُه أحدَ الشبان المسافرين هناك في المحطّة فتقدّمَ منه مستفسراً
-مابكَ يا عم، هل تبحثُ عن شيءٍ؟
نظرَ إلى الشابِّ نظرةً تملأُها الفوضى الفكرية ثم قال: ظننتُ أنّي أستطيعُ تغييرَ مكاني..لكنّي لا أستطيع.
تأمّلَ الشابُّ جملتَه مبتسماً ثمَّ أردَفَ: لماذا ستغيّرُ المكان؟
أجاب: أنا مثلُكَ..ظروفُنا قد تتشابه
ألستَ مسافراً؟
قاطعه الشابُّ: أنا مسافرٌ للعمل..مسافرٌ لأصنعَ مكاني هنا غداً.. أمّا أنتَ وفي عمرِك يا عمّي بماذا سيخدمُكَ السفرُ؟!
أجاب: قد يجدُ لي سنداً
أحياناً أكثرُ الناس التصاقاً بك
(عزوتُك..سندُك)
هم أكثرُ الناس طغياناً بك…
ربّتَ الشابُّ على كتفِه ثم أردفَ:
كن مقتنِعا بأنّك لستَ الوحيدَ_ في هذه المساحةِ _الذي يشبهُ نفسَه
غيرُك الكثيرُ ..
ويشبهونك تماماً
تأمّلَ الكهلُ جملةَ الشابِّ بصمتٍ..
دامَ صمتُه كثيراً، جاء القطارُ الآخرُ وأخذَ ركّابَه على عجلٍ بينما كان لايزال متأملاً..
ثم عادَ أدراجَه إلى حيثُ انطلقَ وخُطاه تتركُ أثراً مع كلِّ رجوع.
                           

العدد 1184 –2-4-2024         

آخر الأخبار
المركزي يصدر دليل القوانين والأنظمة النافذة للربع الثالث 2024 تحديد مواعيد تسجيل المستجدين في التعليم المفتوح على طاولة مجلس "ريف دمشق".. إعفاء أصحاب المهن الفكرية من الرسوم والضرائب "التسليف الشعبي" لمتعامليه: فعّلنا خدمة تسديد الفواتير والرسوم قواتنا المسلحة تواصل تصديها لهجوم إرهابي في ريفي حلب وإدلب وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة بالعتاد والأ... تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة