الدكتور ذوالفقار عبود:
عندما قامت إيران بالرد على العدوان الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق، كان صناع القرار في الدول المجاورة لطرفي الصراع يراقبون التصعيد بقلق متزايد، فلم تكن بقايا تداعيات جائحة كورونا قد انتهت بشكل نهائي، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي تحولت لاحقاً إلى حرب بين روسيا وحلف الناتو ما زالت ترخي بظلالها، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين والتي دشنها الرئيس السابق دونالد ترامب، قلبت نظام التجارة الحرة العالمي. كل هذه الأحداث تلقي بثقلها على الاقتصاد العالمي.
واليوم يبرز سؤال هام حول ماهية التداعيات الاقتصادية لأي تصعيد قادم بين إيران والكيان الإسرائيلي، فالعالم – وخاصة دول الشرق الأوسط – لا يمكنه تحمل مزيد من التأثيرات السلبية على اقتصادات دوله.
فأي تصعيد قادم في الصراع بين إيران والكيان الإسرائيلي يمكن أن يعطل إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط الخام، وهذا ما تريد تجنبه الولايات المتحدة وحلفاؤها.
تعاني كل من إيران والكيان الإسرائيلي من ضغوط اقتصادية ومالية، فالولايات المتحدة وحلفاؤها كانت قد شددت الإجراءات وحيدة الجانب على الشركات الإيرانية في السنوات الماضية، وعقدت على إيران إمكانية الاستفادة القصوى من صادراتها الرئيسية وهي النفط.
ومن ناحية أخرى، فإن الحرب العدوانية واسعة النطاق التي شنها الكيان الإسرائيلي على غزة، والتي يشارك فيها مئات الآلاف من الجنود، أثرت بشدة على النمو الاقتصادي للكيان.
عقب الهجوم، سارعت إيران إلى تخفيف التوترات وأبلغت الأمم المتحدة أن العملية انتهت بعد ساعات من إطلاق الطائرات بدون طيار والصواريخ. وبذلت قصارى جهدها لتوضيح أن هجومها انتهى.
في الجانب الآخر، تضغط الإدارة الأميركية على حكومة الكيان الإسرائيلي كي لا ترد على الهجمات الإيرانية، أو أن تفعل ذلك بطريقة محدودة للغاية، ولكن من غير الواضح مدى استعداد قادة الكيان الإسرائيلي لتنفيذ رغبات الإدارة الأميركية.
بالنسبة للتداعيات، يمكن أن تكون إحدى أكبر تداعيات الهجوم الإيراني على سوق الطاقة، وهو أمر له تأثير جذري على الدول التي تعتمد على واردات النفط والغاز. فأي تصعيد في الصراع يمكن أن يعطل إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط، ما سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط الخام.
حتى الآن، يبدو أن لاتداعيات مباشرة في أسواق الطاقة للهجوم، مع عدم تسجيل سعر النفط الخام أي تغيير ملموس خلال الأيام اللاحقة، لكن الاطمئنان تجاه هذا الهدوء النسبي الذي تشهده أسواق الطاقة يبدو سابقاً لأوانه، فالهجوم هو الأول من نوعه من قبل منتِج رئيسي للطاقة في العالم.
ينتظر المحللون رد فعل الكيان الإسرائيلي بفارغ الصبر، لأن رده – الذي ظل حتى الآن تحت سيطرة الولايات المتحدة جزئياً – سيحدد إلى حد كبير اتجاه أسواق الطاقة العالمية في المستقبل.
حتى الآن لم تتخذ حكومة الكيان الإسرائيلي بعد قراراً بشأن متى وكيف سترد على مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ التي أطلقتها إيران رداً على عدوان إسرائيلي على قنصليتها في دمشق في الأول من نيسان، وقد قالت كالة الطاقة الدولية (IEA)، إن الهجوم الإيراني قدم تذكيراً جديداً بأهمية أمن النفط، مع الإشارة إلى أنه زاد من خطر التقلبات في أسواق النفط.
ووفقاً لـوكالة غولدمان ساكس، فإن سعر النفط الخام الذي يقارب 85 دولاراً للبرميل يتضمن بالأصل نسبة مخاطر تتراوح بين 5 و10 دولارات من سعر البرميل، بسبب احتمالات انقطاع الإمدادات.
وعلى هذا النحو، فإن أسعار النفط الخام عرضة للارتفاع استجابةً لأي تطورات تصعيدية.
ويقول المحللون الاستراتيجيون إن أحد التهديدات التي تواجه أسواق الطاقة هو احتمال قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز الذي يربط الخليج العربي وخليج عمان ويمر منه أكثر من 25% من إجمالي النفط العالمي المنقول بحراً.
كما تستخدم الدول المنتجة للطاقة مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والعراق الممر المائي لتصدير شحناتها إلى بقية العالم.
ويعتقد بعض المحللين إن إيران تحتفظ بالقدرة على مهاجمة ناقلات النفط التي تمر عبر المضيق باستخدام طائرات بدون طيار أو صواريخ أو غواصات. ووفقاً لمراكز أبحاث فإن السيناريو الأسوأ سوف ينطوي على حصار كامل للمضيق من قبل إيران، ومع ذلك، فإنه من غير المرجح أن تقوم إيران بإغلاق المضيق ما لم تخرج الأمور عن السيطرة بشكل كبير. حيث إن إغلاق المضائق سيؤثر أيضاً على قدرة إيران على التجارة، وفي الوقت نفسه سيكون تصعيداً كبيراً من قِبَل إيران، وهو ما تريد تجنبه.
إيران تنتج ما نسبته 3.3% مع إنتاج النفط الخام في العالم بحجم حوالي 3.4 مليون برميل يومياً، وقد تضمنت الإجراءات الاقتصادية الغربية على إيران حظراً شاملاً على بيع النفط الإيراني باستخدام القنوات المصرفية وأدوات الشحن الغربية.
ومع ذلك، تمكنت إيران من الالتفاف على هذه الإجراءات من خلال تصدير النفط إلى الصين مقابل مدفوعات باليوان عبر بنوك صينية، وتشتري مصافي التكرير الصغيرة والمستقلة في الصين ما يصل إلى 90% من إجمالي صادرات النفط الإيرانية منذ أن توقفت مصافي التكرير الحكومية عن تصدير الخام الإيراني إلى دول أخرى في عام 2019.
في حال اختار الغرب تشديد إجراءاته على إيران، فإن التخفيض الناتج في صادرات النفط الإيرانية سيكون له تأثير كبير على أسواق الطاقة العالمية، وستبحث الصين، التي تعد ثاني أكبر مستهلك عالمي للنفط بحصة تبلغ 15%، عن موردي نفط آخرين، ما سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط الخام عالمياً.
– تكاليف الهجمات الإيرانية..
تسبب الهجوم الصاروخي وبطائرات بدون طيار في خسائر مالية فادحة للكيان الإسرائيلي، على الرغم من أن التقديرات الأميركية تختلف عن التقديرات الإسرائيلية. وتقدر مراكز أبحاث غربية تكلفة دفاع الكيان الإسرائيلي ضد الهجوم الذي شنته إيران بمبلغ 1.5 مليار دولار، وشمل ذلك التكلفة التي تكبدتها إسرائيل لإبقاء 100 طائرة حربية في الجو لمدة ست ساعات. بالنظر إلى أن كل صاروخ أرو يُستخدَم لاعتراض صاروخ باليستي إيراني يكلف 3.5 مليون دولار. وباعتراف الكيان الإسرائيلي فقد أطلقت إيران ما يصل إلى 170 طائرة بدون طيار و30 صاروخ كروز، إضافة إلى ما لا يقل عن 110 صواريخ باليستية وصل منها عدد غير قليل إلى الأراضي المحتلة.
أما بالنسبة لإيران، فقد استخدمت بشكل أساسي طائرات شاهد بدون طيار، والمعروفة أيضاً باسم AK-47s في إيران، وهي طائرات ذات إنتاج ضخم وبتكلفة منخفضة تبلغ 20 ألف دولار لكل طائرة. ويمكن لكل طائرة بدون طيار إيرانية حمل رؤوس حربية يصل وزنها إلى 50 كيلو غراماً إلى مدى تشغيلي يصل إلى 2500 كيلومتر.
وهناك اتهامات غربية لإيران بأنها تصدر هذه الطائرات بدون طيار إلى حلفائها لاستخدامها في مناطق الصراع مثل أوكرانيا والبحر الأحمر.
وقد زعمت صحيفة الغارديان البريطانية أن إيران تكبدت تكلفة تبلغ حوالي 100 ألف دولار عند إطلاق كل صاروخ من الصواريخ الباليستية البالغ عددها 110 صواريخ.
– تداعيات الصراع على الاستثمار..
قد يؤدي المزيد من التصعيد في الصراع إلى ارتفاع أسعار النفط الخام وبالتالي دفع التضخم إلى الارتفاع، وهذا ما يقلل من فرص خفض أسعار الفائدة وبالتالي تقييمات الأسهم.
وقد تشهد سوق الأسهم انخفاضاً بسبب احتمال ارتفاع أسعار النفط وابتعاد المستثمرين عن المخاطرة وسط الصراع المستمر.
ومن المحتمل أن تؤدي الحرب بين الطرفين إلى تعطيل إمدادات النفط في الشرق الأوسط، وهي منطقة رئيسية منتجة للنفط. وهو ما سيدفع بدوره التضخم إلى الارتفاع من جديد، ومن المؤكد أن تؤدي الحرب إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، وعندما ترتفع أسعار النفط، فإن ذلك سوف يضر بحوافز المستثمرين في الأسواق الناشئة مثل الهند، ذلك لأن ارتفاع أسعار النفط سيؤدي إلى التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي. ونتيجة لهذه المخاوف، من المتوقع أن يتوخى المستثمرون الحذر وقد ينقلون أموالهم من الأصول الأكثر خطورة مثل الأسهم الهندية إلى خيارات أكثر أماناً مثل سبائك الذهب.
إن تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط بعد الهجوم، قد يجعل احتمال أن تضرب إسرائيل إيران وارداً. وبديل التصعيد، سيكون عودة التركيز على أرباح الشركات والتوقعات المستقبلية لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وإذا قامت إسرائيل بالتصعيد أكثر أو قامت إيران بجولة أخرى من الهجمات، فستكون الأسواق في وضع تجنب المخاطرة.
الخبراء يعتقدون أن المعادن الثمينة وعملات الملاذ الآمن وكذلك النفط الخام سترتفع بشدة في حال قيام الكيان بهجمات مضادة على إيران، بينما ستشهد الأصول ذات المخاطر عمليات بيع سريعة تجنباً للخسائر.
وبالفعل تعرضت الأسهم في دول الشرق الأوسط لضغوط بسبب عدم قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بتخفيض أسعار الفائدة بالنسبة المتوقعة، وإذا تصاعد الصراع، فقد يبيع المستثمرون أصولًا أكثر خطورة مثل الأسهم وينقلون أموالهم إلى خيارات أكثر أماناً.
أما بالنسبة إلى التأثير على أسعار الذهب، فقد قفزت أسعار الذهب فعلاً ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تصاعد التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين الجيوسياسي وهذا ما أدى إلى زيادة الاندفاع نحو أصول الملاذ الآمن، ما دفع أسعار الذهب للارتفاع بنسبة 1.60%. فغالباً يُنظر إلى الذهب باعتباره استثماراً آمناً خلال الأوقات المضطربة، وقد يؤدي الصراع إلى استمرار ارتفاع أسعاره بشكل مطرد.
* استاذ بجامعة تشرين