الثورة – إيمان زرزور:
أعلن مجلس التعليم العالي عن دمج جامعة حلب الحرة مع جامعة حلب الأم، في خطوة تحمل أبعاداً تتجاوز الطابع الإداري البحت، لتشكل محطة مفصلية في مسار التعليم العالي، ورسالة تؤكد على وحدة المؤسسات الأكاديمية واستعادة مكانتها كأداة وطنية جامعة بعد سنوات الحرب والانقسام.
يأتي الدمج كتتويج لمسار طويل من العمل الأكاديمي في ظروف قاسية، حيث جسدت جامعة حلب الحرة منذ تأسيسها صورة من صور الصمود المجتمعي والأكاديمي في مواجهة انهيار مؤسسات الدولة تحت حكم نظام الأسد البائد، وبقرار الدمج، يتم اليوم إغلاق فصل الانقسام وإعادة تثبيت مبدأ وحدة المؤسسات التعليمية بوصفها ركيزة أساسية في بناء الدولة الجديدة.
أشار مجلس التعليم العالي في بيانه إلى أن جامعة حلب الحرة استطاعت أن تحافظ على العملية التعليمية رغم الظروف الاستثنائية، مقدمةً مثالاً على التمسك بالعلم والمعرفة كأحد أبرز مكتسبات الثورة السورية، هذا الصمود، برمزيته، جعل من الجامعة منارة علمية، ومكاناً يعبّر عن إصرار السوريين على بناء مستقبل مختلف، حيث ارتبطت رسالتها التعليمية بروح الانتماء الوطني وتحدي العزلة والحرمان.
يحمل القرار في جانب آخر دلالة على استعادة جامعة حلب الأم لمكانتها الوطنية، بعد أن شهدت سنوات من التهميش والانقسام، ليعاد إليها دورها الطبيعي كمرجعية أكاديمية كبرى. وبذلك يتحقق نوع من التكامل بين إرث الجامعة الأم التاريخي وبين تجربة الجامعة الحرة التي وُلدت من رحم الثورة.
الاجتماع الذي عقده مجلس التعليم العالي برئاسة الدكتور مروان الحلبي لم يقتصر على إعلان الدمج فقط، بل بحث أيضاً آليات القبول الجامعي، والبرامج الأكاديمية، وسبل تحسين جودة التعليم، وهو ما يعكس أن الدمج ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل خطوة ضمن مشروع أشمل لإعادة بناء قطاع التعليم العالي وتحصينه ليواكب متطلبات المرحلة المقبلة، باعتباره من أكثر القطاعات تأثيراً في صياغة مستقبل البلاد.
من الواضح أن هذا الدمج يتجاوز البعد الأكاديمي ليحمل رسائل سياسية عميقة؛ فإعادة توحيد الجامعات السورية بعد سنوات الانقسام يمثل نموذجاً مصغراً لما تسعى إليه البلاد في مجالات أخرى، من إعادة بناء المؤسسات وترميم النسيج الوطني، وصولاً إلى بلورة مشروع جامع يعكس إرادة التغيير التي عبّرت عنها الثورة السورية.