مخاتير دمشق.. صلاحيات محدودة ومسؤوليات كبيرة حالات للبعض يمثلون نموذجاً للترهل وأحياناً للفساد الصريح

الثورة – ثورة زينية:

في قلب الأزقة العتيقة لدمشق، حيث تتشابك الأرواح مع الحجارة، وتروي الجدران قصص مئات السنين، كان المختار أكثر من مجرد موظف أو حامل ختم.. لقد كان “المختار” شخصية محورية في حياة الحيّ، يعرف الناس بأسمائهم، يتدخل لحل النزاعات، ويشهد على الأفراح والأتراح، ويمنح للوثائق صفة الصدق بما يمثله من ثقة اجتماعية ومكانة معنوية.
لكن بين ماضٍ كانت فيه كلمته تحسم، وحاضرٍ باتت فيه صلاحياته محدودة وهمومه مضاعفة، تغيّر دور المختار كثيراً في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا، وتتعقّد فيه العلاقة بين الفرد والدولة، يقف المختار الدمشقي أمام تحديات جديدة تتمثل ببيروقراطية متضخمة، ونقص في الإمكانات، وتراجع في صلته بالمجتمع الذي كان يوماً جزءاً من نسيجه الأصيل.

خطوة ضرورية

لقد عكس اللقاء الأخير للمعنيين في محافظة دمشق مع مخاتير الأحياء الدمشقية اهتماماً بتعزيز التواصل المباشر بين السلطات المحلية في المحافظة والمواطنين، وتشكل هذه اللقاءات غالباً فرصة لمناقشة القضايا المحلية وتسهيل العمل الإداري، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وتسليط الضوء على احتياجات الأحياء المختلفة، سواء أكانت خدمية أم إدارية.
وشمل النقاش التوجيهات العامة وآليات متابعة التعاميم التي سُلّمت مؤخراً، إضافة إلى القضايا المرتبطة بالخدمات العامة وتسجيل الواقعات كالولادات، وتم التطرق إلى موضوع تسجيل الأطفال العائدين من مناطق التهجير في المدارس، وبحث مسألة التعرفة إلى جانب مناقشة منح سندات الإقامة.
قد تكون هذه اللقاءات فرصة للمحافظة لتوجيه تعليمات جديدة للمخاتير تتعلق بكيفية التعامل مع القضايا اليومية، مثل تسوية المنازعات أو تنظيم العمل الإداري في الأحياء، وتحفيز المخاتير على دورهم المجتمعي وتشجيع المخاتير على لعب دور أكبر في حل مشاكل المجتمع المحلي، مثل تشجيع المشاركة المجتمعية، وتفعيل دور المخاتير في خلق بيئة أفضل للعيش في دمشق، كما تشكل فرصة لتبادل المعلومات حول السياسة العامة للحكومة وتوضيح القرارات والتوجهات المستقبلية، مما يساهم في تعزيز الشفافية والمصداقية في العمل الإداري.

حلقة وصل

خطوة ضرورية ويجب أن تكون هناك خطوات لاحقة في هذا الإطار ففي المثل الشعبي المتداول يقال: إن المختار هو “مفتاح الحي”.
فالمختار في المجتمع السوري عموماً ودمشق خصوصاً يُنظر إليه على أنه شخصية مرجعية محلياً وقادر على حل النزاعات بين الأهالي، سواء أكانت أسرية أم اجتماعية، وفي بعض الأحيان، يقوم المختار بتسوية القضايا التي قد تصل إلى المحاكم بشكل غير رسمي، مما يعزز مكانته بين الناس.
ويعرف ربيع مكي، وهو مختار سابق أن المختار في سوريا، وخاصة في دمشق، هو موظف رسمي بمرتبة خادم مدني، وغالباً ما يكون من الشخصيات ذات الوزن الاجتماعي أو السياسي في المجتمع المحلي، وتعود وظيفة المخاتير إلى العصور القديمة، وكانوا يعتبرونهم حلقة وصل بين الدولة والمواطنين، ويتحملون مسؤوليات عديدة، مثل حفظ الأمن الاجتماعي في الحي، تسوية النزاعات الصغيرة، وتنظيم المسائل الإدارية مثل تسجيل الولادات والوفيات.
ويضف: حالياً يتولى المخاتير مهام تنظيم شؤون الحي، خاصة في الأمور المدنية مثل تسجيل العقود والوصايا، إضافة إلى إشرافهم على تقديم الخدمات المحلية وتنظيم الحياة اليومية في محيطهم ويواجهون تحديات كبيرة في ظل تعاظم حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم نتيجة الزيادة السكانية الكبيرة في أحياء العاصمة خلال السنوات الأخيرة.
ويؤكد المختار مكي أن بعض المخاتير يعانون من ضغوطات كبيرة بسبب ضعف الإمكانيات أو التقنيات، مما قد يؤثر على قدرتهم على خدمة المواطنين بشكل فعال، فالمختار الذي يواجه تحديات هو شخص يُنظر إليه أحياناً كصاحب محاولات جادة لخدمة الناس رغم الظروف، وفي حالات أخرى، قد يُنظر إليه على أنه عاجز أو غير قادر على تقديم حلول حقيقية.
ويبين أنه بالمجمل، يختلف تقدير المواطن السوري لعمل المختار حسب مستوى الثقة فيه وسلوكياته، في الأحياء التي يتمتع فيها المختار بسمعة طيبة ويعمل بنزاهة، ويعتبر شخصية محورية في المجتمع، أما في الأماكن التي يواجه فيها المختار تحديات من حيث الفساد أو سوء الإدارة، فقد يتراجع مستوى احترامه وثقة الناس به.

غياب التأهيل الإداري

الكثير من المواطنين يرون أن عمل بعض المخاتير يشوبه الروتين، البطء، وقلة الفاعلية، وذلك لأسباب عديدة منها: غياب التأهيل الإداري أو التقني ونقص الأدوات الرقمية فمعظم المهام لا تزال تُنجز يدوياً.

راما الحناوي- مهندسة مدنية من حي العفيف، ترى أن المختار يسهل عليهم الإجراءات الرسمية ويعطيهم نوعاً من الأمان في تسجيل الأمور الشخصية، ويعمل عادة كمحور للمساعدة في فض النزاعات وتحقيق العدالة بشكل أسرع، ولكن في بعض الأحيان، يمكن أن يحصل نوع من الفساد في بعض الحالات، مثل التلاعب في الوثائق أو استغلال النفوذ مقابل المال أو الواسطة، وفي المقابل فإن بعض المخاتير قد يظلمون أو يحكمون بطريقة غير منصفة لأسباب شخصية أو تفضيلية.
فايز سرور من حي الميدان، بين أنه وفي وقت سابق أنه كان يتم ربط المختار بمؤسسات الدولة أو السلطات الأمنية، مما قد يخلق تبايناً في تصورات المواطنين تجاهه، وفي بعض المناطق، قد يُنظر إليه على أنه جزء من الجهاز الحكومي، وبالتالي قد يكون موضع انتقاد أو تقليل من الثقة، مضيفاً: فيما كان البعض يعتبر أن تنسيق المختار مع السلطات الأمنية يسهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في الحي، كان آخرون يشعرون أن المختار هو مجرد أداة لتنفيذ سياسة الحكومة أو قوّة مهيمنة على حقوق الناس، مما يؤدي إلى انعدام الثقة، كما كان عمل المختار تطوله الكثير من الاتهامات في بعض الأحيان، بأنه يستفيد مادياً من منصبه، خاصة في الأمور المتعلقة بتراخيص أو تصاريح أو حتى حل مشكلات معقدة، مما يؤدي إلى انتقادات حول الفساد أو المحسوبية.

سلطة تقليدية

محمد الجابي من حي البرامكة، أكد أن في بعض الأحياء، قد يُنظر إلى المختار كشخص ذي سلطة تقليدية يحظى بالاحترام بسبب سنه أو تجربته في التعامل مع الأمور الاجتماعية والإدارية، وهو ما يعزز صورته في المجتمع، ويكون المختار في هذه الحالة رمزاً للحكمة والقدرة على إدارة الأمور بحنكة، وتُعتبر كلمته مرجعية في كثير من الأمور، لكن اليوم يشعر البعض أن هذه الصورة التقليدية قد تمنع التغيير أو التجديد في طريقة إدارة الأمور في الحي، مؤكداً ضرورة أن يكون المختار شخصاً نزيهاً ويسعى لتحسين الوضع الاجتماعي في الحي، لأن هناك بعض المخاتير يستخدمون منصبهم للضغط على المواطنين للحصول على مكاسب شخصية.
يعتبر غياب الرقابة الفعلية على الأداء، إضافة لغياب روح المبادرة أو الانخراط الحقيقي مع قضايا السكان والنتيجة؟.. معاملات تتأخر، وثائق تضيع، ومواطن يشعر أن المختار عقبة لا ضرورة حسب الباحث في الشؤون الإدارية والقانونية مهاب عباس، مضيفاً في معرض حديثه عن واقع عمل المخاتير في دمشق: إن البعض من المخاتير متّهمون بممارسات، مثل: قبول الرشاوى لقاء توقيع أوراق من دون تحقق حقيقي من صحة البيانات، والتحيّز لبعض العائلات أو الأفراد على حساب آخرين، وتقديم خدمات خاصة لمن يدفع أكثر أو لديه واسطة، واستغلال النفوذ لأغراض شخصية أو انتخابية.
وأشار الباحث عباس إلى أنه في بعض الحالات، تم إعفاء أو توقيف مخاتير بسبب توثيق تجاوزات، لكن حالات المحاسبة لا تزال قليلة مقارنة بالشكاوى حالياً، موضحاً أن المواطن الدمشقي العادي كان سابقاً يجد نفسه أحياناً مضطراً للجوء للمختار رغم انعدام الثقة، وخائفاً من التأخير أو التعطيل إذا رفض دفع المال للمختار، وكان غير قادر على تقديم شكوى حقيقية بسبب غياب البدائل أو الخوف من العواقب، كون معظم المخاتير كانت لهم صلات وثيقة بأجهزة الأمن في عهد النظام المخلوع.
وشدد على ضرورة أن تكون هناك إجراءات فاعلة لإعادة وظيفة مختار الحي إلى مكانها الحقيقي الفاعل والمؤثر من خلال إعادة تأهيل المخاتير إدارياً وتقنياً مع وجود رقابة فعّالة من وزارة الداخلية ومجالس المحافظات، وتحويل الخدمات إلى إلكترونية لتقليل الاحتكاك المباشر والفساد، وفتح قنوات شكاوى محمية للمواطنين، وتجديد الكوادر من خلال اختيار مخاتير شباب يتمتعون بالكفاءة والنزاهة.
المختار يجب أن يكون خادماً للحي، لا عبئاً عليه، لكن الواقع الحالي في دمشق لا يزال يظهر أن بعض المخاتير يمثلون نموذجاً للترهل الإداري، وأحياناً للفساد الصريح، مما يُفقد هذه المؤسسة الصغيرة قيمتها المجتمعية والإدارية.. والإصلاح الحقيقي يبدأ من الاعتراف بالمشكلة، وفرض المحاسبة، ومنح المواطنين أدوات فعّالة للتقييم والرقابة.

آخر الأخبار
توزيع المرحلة الأولى من المنحة الزراعية "الفاو" لمزارعي جبلة مشروعات اقتصادية للتمكين المجتمعي في ريف دمشق توزيع خلايا نحل ل 25 مستفيداً بالغوطة تنظيم محطات الوقود في منطقة الباب.. موازنة بين السلامة وحاجة السوق الوقوف على واقع الخدمات في بلدة كويّا بدرعا التربية: الانتهاء من ترميم 448 مدرسة و320 قيد الترميم قبيل لقائه ترامب.. زيلينسكي يدعو لعدم مكافأة بوتين على غزوه بلاده مخاتير دمشق.. صلاحيات محدودة ومسؤوليات كبيرة حالات للبعض يمثلون نموذجاً للترهل وأحياناً للفساد الصري... أكثر من 95 بالمئة منها أغلقت في حلب.. مجدداً مطالبات لإنقاذ صناعة الأحذية سوريا والسعودية توقعان اتفاقية لتشجيع وحماية الاستثمار الأمم المتحدة: 780 ألف لاجئ سوري عادوا إلى وطنهم منذ سقوط النظام المخلوع فضل عبد الغني: مبدأ تقرير المصير بين الحق القانوني والقيود الدولية لصون سيادة الدول الولايات المتحدة تراقب السفن الصينية قرب ألاسكا إعلان دمج جامعة حلب الحرة مع جامعة حلب الأم.. خطوة لترسيخ وحدة التعليم العالي امتحانات تعويضية لإنصاف طلاب الانتقالي الأساسي والثانوي ساعتا وصل مقابل أربع ساعات قطع بكل المحافظات وزير الطاقة: الغاز الأذربيجاني يرفع إنتاج الكهرباء ويحس... صيف السوريين اللاهب.. قلة وصل بالكهرباء.. والماء ندرة في زمن العطش الخارجية السورية: المفاوضات مع "قسد" مستمرة في الداخل واجتماعات باريس ملغاة 40 ألف طن إنتاج درعا من البطيخ الأحمر خاصة الخضار الموسمية.. ارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الغذائية بحلب عصام غريواتي: استئناف خدمات غوغل الإعلانية بمثابة إعادة اندماج