الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
تغطية صحيفة نيويورك تايمز للمذبحة الإسرائيلية في غزة، مثلها في ذلك كمثل تغطية وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية الأخرى، تشكل عاراً على الصحافة.
وهذا التأكيد لا ينبغي أن يفاجئ أحداً لأن وسائل الإعلام الأميركية لا تحركها الحقائق ولا الأخلاق، بل تحركها الأجندات والحسابات المتعطشة للسلطة. وإن وقوع 120 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح بسبب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة ليست ببساطة جزءاً من تلك الأجندة.
في تقرير، استناداً إلى مذكرة مسربة من صحيفة نيويورك تايمز، اكتشف موقع(ذا إنترسبت) The Intercept أن ما يسمى بالصحيفة الأمريكية كانت تعطي صحفييها “إرشادات” يتم تحديثها بشكل متكرر حول الكلمات التي يجب استخدامها أو عدم استخدامها عند وصف المذبحة الجماعية الإسرائيلية المروعة في قطاع غزة، والتي بدأت في 7 تشرين الأول الماضي.
ومن المثير للصدمة أن المصطلحات والعبارات المعترف بها دولياً مثل “الإبادة الجماعية”، و”الأراضي المحتلة”، و”التطهير العرقي”، وحتى “مخيمات اللاجئين”، كانت على قائمة الرفض في الصحيفة.
على الرغم من أن هذا التحكم اللغوي، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، “يهدف إلى تحقيق العدالة لجميع الأطراف”، إلا أن تطبيقه كان تقريباً من جانب واحد بالكامل. على سبيل المثال، أظهر تقرير سابق لموقع Intercept أن الصحيفة الأمريكية ذكرت، في الفترة ما بين 7 تشرين الأول و 14 تشرين الثاني، كلمة “مذبحة” 53 مرة عندما أشارت إلى مقتل إسرائيليين، ومرة واحدة فقط في إشارة إلى مقتل الفلسطينيين على يد “إسرائيل”.
وبحلول ذلك التاريخ، كان آلاف الفلسطينيين قد لقوا حتفهم، وكانت الغالبية العظمى منهم من النساء والأطفال، وقُتل معظمهم داخل منازلهم أو في المستشفيات أو المدارس أو ملاجئ الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن الحكومة ووسائل الإعلام الأمريكية شككت في كثير من الأحيان في عدد القتلى الفلسطينيين، إلا أنه تم قبوله لاحقاً على أنه دقيق، ولكن مع تحذير بأن مصدر الرقم الفلسطيني يُنسب إلى “وزارة الصحة في غزة”.
وعندما سُئل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في 29 شباط عن عدد النساء والأطفال الذين قتلوا في غزة، قال: “إنه أكثر من 25 ألفاً”، وهو ما يتجاوز الرقم الذي قدمته وزارة الصحة الفلسطينية في ذلك الوقت.
ومع ذلك، حتى لو تم فحص الأرقام الإسرائيلية وإثباتها بالكامل من قبل مصادر مستقلة، فإن تغطية صحيفة نيويورك تايمز لحرب غزة لاتزال تشير إلى عدم وجود مصداقية لوسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية، بغض النظر عن أجنداتها وأيديولوجياتها.
ووفقاً لهذا المعيار المزدوج، يتم تصوير الفلسطينيين المُحتلين والمضطهدين والمذبوحين بشكل روتيني باللغة المناسبة لإسرائيل، في حين يتم التعامل مع كيان عنصري وقاتل مثل “إسرائيل” كضحية وأنه في حالة “الدفاع عن النفس”.
وينطبق نفس المنطق المنحرف على حكومة الولايات المتحدة، التي لايزال خطابها السياسي اليومي حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والسلام يتقاطع مع دعمها الوقح لقتل الفلسطينيين، من خلال القنابل الغبية، وغيرها من المساعدات العسكرية من الأسلحة والذخائر التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
إن تقارير Intercept حول هذه القضية لها أهمية كبيرة، وبعيداً عن المذكرات المسربة، فإن عدم نزاهة اللغة التي استخدمتها صحيفة نيويورك تايمز ، المتعاطفة مع” إسرائيل” وغير المبالية بمعاناة الفلسطينيين، لا يترك مجالاً للشك في أن هذه الصحيفة، مثلها كمثل وسائل الإعلام الرئيسية الأخرى في الولايات المتحدة، تستمر في الوقوف بحزم إلى جانب “إسرائيل”.
وبينما تستمر غزة في مقاومة الظلم الذي يفرضه الاحتلال العسكري الإسرائيلي والحرب، فإن الذين يشعرون بالقلق إزاء الحقيقة والدقة في التقارير والعدالة للجميع، يجب عليهم أيضاً أن يتحدوا ضد هذا النموذج من الصحافة المتحيزة.
ونحن نفعل ذلك عندما نقوم بإنشاء مصادرنا المهنية البديلة للمعلومات، حيث نستخدم اللغة المناسبة، التي تعبر عن الواقع المؤلم في غزة التي مزقتها الحرب.
إن ما يجري في غزة هو في واقع الأمر إبادة جماعية، ومذبحة مروعة ومجازر يومية ضد الأبرياء، جريمتهم الوحيدة هي أنهم يقاومون احتلالاً عسكرياً عنيفاً ونظام فصل عنصري.
وإذا حدث أن هذه الحقائق التي لا جدال فيها تولد استجابة “عاطفية”، فهذا أمر جيد؛ وربما يتبع ذلك اتخاذ إجراء حقيقي لإنهاء المذبحة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
ويبقى السؤال: لماذا يجد محررو نيويورك تايمز هذا الأمر غير مقبول؟.
المصدر – آنتي وور