الدهشة هي تلك الروح الشغوف التي تنبعث من داخل المرء فتدفعه لاكتشاف العالم من حوله، والحياة بكل جوانبها. إنها ذلك اللغز الذي ترتسم ملامحه على وجوهنا في مواجهته، ويجعلك تبحث عن سر الأشياء سواء العادية منها، أم الغريبة.. إنها سحر الاكتشاف، وروح الإبداع، وذلك الفضول البريء الذي يشعرك بالسعادة عندما تجد الإجابة عنه.
الأطفال هم الأكثر قدرة على الاندهاش حيال ما يرونه عندما تشتعل شرارة الفضول، والتساؤلات العميقة لديهم.. ودهشة الأطفال هي بالتالي تلك الرغبة في اكتشاف العالم، والتعرف إليه. ومن الناس مَنْ يحتفظون بطفولتهم مهما بلغوا من الأعمار لتظل دهشة الطفولة حاضرة لديهم فتشعل شرارة الفضول، والتساؤلات العميقة.
أما الكاتب، والفنان، والمبدع فلكلٍ منهم قصته مع الدهشة، وهي التي عليه الاحتفاظ بها لتحفيز الإبداع وتعزيزه، وكمصدر للإلهام.. إذ تعتبر الدهشة إحدى أهم العواطف التي تجعله يرى العالم بعيون جديدة، كما تجعله يكتشف التفاصيل الصغيرة، والجمال الخفي في كل شيء، ويستمع إلى لغة الأشياء الصامتة التي تحفزه للعثور على أفكار جديدة، ومفاهيم متنوعة. بل إنها تلك القوة التي تدفع به للخروج عن المألوف، والتجربة بأساليب مبتكرة. فعندما يفقد الكاتب الدهشة يمكن أن ينغلق في دائرة من التكرار والتقليد، وقد يفتقر إلى النضج، والتطور الذي يفتح أمامه آفاقاً جديدة.
إن فضول القراءة هو دهشة مستترة تساعد الكاتب في التعرف على أفكارٍ تثري خياله، وتساعده على رؤية العالم بشكلٍ مختلف لذلك فما عليه إلا أن يحتفظ بدهشته الطفولية الكامنة في أعماقه ليستفيد منها في تحفيز إبداعه، وليكون منفتحاً على تجارب الحياة.
أما التواصل مع الذات من خلال الدهشة فإنه يمنحنا فرصة لاكتشاف أنفسنا بشكلٍ أعمق مما يحفز الإبداع، والتفكير العلمي، ويسهم في زيادة السعادة والرضا. فعندما نتوقف للحظة أمام ما يثير فضولنا، ونركز على التجارب التي نتعرض لها، وعلى المشاهد التي تستحوذ على إعجابنا فإن هذا التركيز من شأنه أن يساعدنا على توجيه انتباهنا نحو العواطف، والأفكار التي تجول في الخاطر.. وعند ذاك نستطيع أن نعزز وعي الذات بشكل أفضل، وأعمق. إنها تلك الحالة الفريدة التي تفتح آفاقاً جديدةً، وتشجع على التفكير بطرق غير تقليدية فتحفز العقل للتفكير الإبداعي.
وإذ نعبِّر عن دهشتنا، وإعجابنا بما نشاهده، أو نكتشفه فإننا نشجع الآخرين على مشاركتنا تلك التجارب، لتصبح موضوعاً للمحادثات الاجتماعية أيضاً التي تعزز التواصل كما التفاعل مع الآخر فتسهم تلك التجارب المشتركة بالتالي في بناء علاقاتٍ اجتماعية أقوى، وأكثر ارتباطاً.
أما الكاتب فمن مهامه أن يتحلى على الدوام بفضول الاكتشاف، والسعي وراء إجابات للأسئلة التي تنبعث من دهشته، فيبحث في العلوم، والفلسفة، والتاريخ، وفي أي مجال آخر يثير اهتمامه، ليستمد منها مصادر إلهام، ومعرفة جديدة. فالدهشة إنما هي عنصر أساسي في حياة كل كاتب، ومبدع، وفنان فهي القادرة على أن تحفزه، وهي التي تمنحه إلهاماً لا ينضب إذا ما احتفظ بها، وتعلم كيف يستغلها في إبداعه. فالأديب عندما ينقل دهشته إلى قرائه يكون قادراً على نقلهم إلى عوالم تشعرهم بالتالي بالدهشة ذاتها التي يشعر بها الكاتب.
وسر الدهشة يكمن في ذلك الشعور الفطري الذي ينتاب الإنسان عند مواجهته لموقفٍ جديدٍ، أو غريبٍ، أو غير متوقع. أما الكاتب عندما يفاجأ بشيءٍ ما فإنه يصبح أكثر انتباهاً للتفاصيل، وملاحظةً للأشياء التي قد لا يلاحظها الآخرون، فهو ذلك الشخص الذي يحاول نقل مشاعره، وأفكاره إلى من سواه عبر الكلمة التي تثير الفضول، وتولد الأسئلة لدى القارئ الذي يحب مفاجأة النص ليجد إجاباتها في نصٍ أدبي يستمتع بقراءته، وبمتابعة أحداثه.. وكما يقول (ماركيز): إن الكاتب الذي لا يفاجئ نفسه لا يمكنه أن يفاجئ الآخرين.