ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله، وطوفان الأقصى بات طوفاناً عالمياً ليقلب الطاولة على كيان الاحتلال وداعميه ويعود بالقضية الفلسطينية إلى الواجهة من أدراج النسيان, رغم محاولاتهم إخفاء مجازر الاحتلال بحق الفلسطينيين في قطاع غزة وتسخير إعلامهم لإظهار أن الفلسطينيين هم من يرتكبون المجازر واتهامهم بمعاداة السامية, إلا أن هذه الأكذوبة ما عادت تنطلي على أحد لينتفض الرأي العالمي ضد حكوماته, وهذا ما نشهده في مظاهرات الجامعات الأمريكية لتنتقل إلى معظم الجامعات الغربية ليشكل ذلك ضغطاً على أصحاب القرار.
إن طوفان المظاهرات في الجامعات الأمريكية لم يكن بهذا المشهد فيما قبل الذي انضمت إليه مختلف الفئات في جامعات النّخبة الأمريكيّة مِثل كولومبيا في نيويورك، وهارفارد في هيوستن، لتمتد إلى أكثر من أربعين جامعة أمريكية شارك فيها الكثير من أتباع الديانة اليهودية الذين كشفوا زيف الصهاينة, ورفعوا أيضاً الأعلام الفِلسطينيّة، ليوجهوا صفعة قويّة لنتنياهو وحكومته وتكذيبًا لكُلّ اتّهاماته بمُعاداة الطُّلّاب للسّاميّة، والعداء لليهود, وهو ما دفع بنتنياهو ببث فيديو على منصّة “إكس” “التويتر” يُدين فيها تظاهرات الطلاب واتهامه لهم بمعاداة السامية وشبّهها بالتظاهرات التي اجتاحت الجامعات الألمانيّة في ثلاثينيّات القرن الماضي, إلا أن إيتمار بن غفير وزير الأمن الإسرائيلي ذهب في تصريحات له إلى أبعد من ذلك عندما طالب بتأسيس ميليشيات مُسلّحة في الولايات المتحدة والدّول الغربيّة الأُخرى لحماية الجاليات والمُؤسّسات اليهوديّة في هذه الدّول التي لعبت دوراً في تأسيس واستمرار كيانه.
وهذا ما يشير إلى حالة من التخبط والقلق لدى حكام الاحتلال الذين يعرفون جيداً أن هؤلاء الطلاب هم الأجيال القادمة في مراكز القرار ولن يخضعوا للصهاينة, وبالتالي فإن قلقهم من اتساع هذه التظاهرات إلى العالم بأسره خاصة أوربا و”الشرق الأوسط” ستؤدي إلى نهاية “إسرائيل”, والشيء المستغرب هو أن العرب أصحاب القضية لم يتحركوا مثل التظاهرات في الولايات المتحدة وأوربا إلا بعض الأصوات التي شهدتها بعض الساحات رغماً عن أنظمتها المتعاونة مع الاحتلال, بينما أصوات المتظاهرين في الجامعات الأمريكية والأوربية كانت مرتفعة جداً ليزيد من قلق ليس الصهاينة وحسب وإنما أصحاب القرار في الولايات المتحدة وأوربا الذين دعموا الكيان الغاصب منذ تأسيسه, وهذا ما تحدث عنه السيناتور الأمريكي ساندرز مُهاجمًا نتنياهو: القول إنك قتلت 34 ألفًا ودمّرت البنية التحتية لغزة ونظامها الصحّي والجامعات والمدارس وحرمان 625 ألفًا من التعليم ليس مُعاداة للسامية وأيضاً الإعلامي الفرنسي إيريك مونتانا نشر مقالاً قال فيه: “يمكنهم أن يتذمروا من معاداة السامية بقدر ما يريدون ونحن لا يمكننا أن نبقى صامتين لأننا نرفض أن نكون، من خلال صمتنا، شركاء موضوعيين لأسوأ المجرمين الذين عرفهم العالم”, هذه الأصوات المرتفعة لم تكن بهذا الشكل فيما سبق وهو مؤشر على أن المرحلة المقبلة ستتغير فيها سياسات الكثير من الدول, وهذا ما يؤكد سقوط سيطرة الصهاينة على وسائل الإعلام, بينما كان لوسائل التواصل الاجتماعي التأثير الأكبر لإظهار حقيقة هذا الكيان الإجرامية أمام الرأي العام العالمي والبداية لسقوطه كما سقطت النازية”.
لا نريد استباق الأمور لأن التطورات المتسارعة عالمياً تشير إلى تخبط لدى أصحاب القرار في الغرب لفرض حل وفق ما يطلبه الكيان, لكن التظاهرات القوية قسمت النظرة إلى الولايات المتحدة ما بين السياسيين الداعمين للمجازر الإسرائيلية وما بين الشعب الذي لديه رؤية تختلف عن قادته, وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى تغيير في المشهد الدولي بأسره وفق الجيل القادم فهل يتحقق ذلك؟ وهل يمكن أن يقدم الحكام في تل أبيب والولايات المتحدة إلى أسلوب إجرامي لفرض المشهد الذي يريدون؟
بالطبع الأيام القادمة ستشهد تطورات كثيرة يمكن أن تقلب المشهد الدولي رأساً على عقب وبالتالي فإن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله وطوفان الأقصى بات طوفاناً عالمياً.
نضال بركات