د. جورج جبور:
أخاطب من هذا المنبر الإعلامي رئاسة مجلس حقوق الإنسان، بصفتي الخبير المستقل السابق لدى هذا المجلس الموقر، حول حقوق الإنسان في فلسطين 1917-2024.
منذ تأكد وقوع مدينة القدس تحت السيطرة البريطانية، وصدور وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 وإلى يوم الكتابة هذا في 28 نيسان 2024 ثمة حقيقة مؤكدة هي أن كل القوى الدولية، ثم المنظمات الدولية، لم تهتم بحقوق الشعب الفلسطيني.
فإذا صح ما هو متداول من أن الرئيس ويلسون قد وافق على وعد بلفور قبيل صدوره فمعنى ذلك أنه استبعد متعمداً الشعب الفلسطيني من فلسفته المستحقة للتقدير، الخاصة بحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.
ثمة وضوح في التسلسل التاريخي لإنكار حقوق الشعب الفلسطيني، فقد نص وعد بلفور على وطن قومي لمجموعة يؤتى بها، ولم ينص على وطن قومي لمن هم في تلك الأرض.
تجلى وعد بلفور واضحاً في تصويت أجراه مؤخراً مجلس الأمن على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة.
مما يثير التأمل في التصويت أن استنكاف بريطانيا كما أقدر، أتى نتيجة إعلان منها في نيسان 2017، إعلان لم يكتب له تداول واسع، يوضح نقصاً في الوعد.
ويعلم العالم كله ذلك النيل من الوعد الذي أعلنه وزير خارجية الدولة مصدرة الوعد في 16 تشرين ثاني2002. كان ذلك في موسم الذكرى الخامسة والثمانين لصدور الوعد، الذي حصل في عام 1917.
خالف صك الانتداب على فلسطين عام 1922 أساسيات فلسفة الانتدابات، ثم جاء قرار التقسيم ليؤكد حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه، وقبل ذلك تغاضت الأمم المتحدة عن عامين من انتهاء صك الانتداب بين 1945 و 1947.
أما قرار مجلس الأمن بشأن العضوية الكاملة لدولة فلسطين، فمن المتفق عليه أنه فضيحة دولية.
في مذكرة بعثت بها عام 1994 إلى المفوض السامي الأول لحقوق الإنسان، طالبته بفحص الوثائق الأساسية لدول الأمم المتحدة بمعيار القانون الدولي.
كانت مذكرة بمطلبين، من المفيد التذكير بأن أول الطلبين حظي باهتمامكم في بيان صدر عام 2007.
نحن في أواخر نيسان 2024، تتحدث الأنباء عن نقل مليون فلسطيني من مكان إلى آخر، ثمة بعد النقل عملية عسكرية، وثمة خطر حرب إقليمية، وقد تتوسع إلى أبعد.
يمكن نسبة كل القتل الذي يجري منذ 7 تشرين أول 2023 تعود إلى الإرهاب الإسرائيلي ولكنها أيضاً تعود إلى غياب اهتمام القوى الدولية، ثم المنظمات الدولية بحقوق الشعب الفلسطيني.
أعلم عجز الأمم المتحدة بكل منظماتها عن وقف إطلاق النار في غزة، بل حتى عن تحصين الأطفال من الموت جوعاً، لكن لدينا ما لا ينبغي أن نقنط منه: لدينا منظمة وقانون من أجل ضبط العالم، من أجل حفظ السلم والأمن العالميين.
حين ينقضي يوم 7 تشرين أول 2024، يكون قد انقضى أكثر الأعوام وحشية في تنفيذ ما أعلن يوم 2 تشرين ثاني 1917.
من الجميل أن يكون لمجلسكم وأنتم مجلس حقوق، وقفة تبدأ اليوم مع حقوق الشعب الفلسطيني، وقفة شاملة تناقش الموضوع بهدوء بدءاً من وثيقة أريد لها كما يُقال ويزعم أصحابها، أن تكون خيراً فإذا هي، في حقيقةٍ مشهودة صارخةٍ، “وثيقة اقتتال مستمر” .
للاعتذار دور في بناء عالم السلم الذي يرغب فيه الجميع، من الممكن لمجلس حقوق الإنسان أن يرفع إلى الجمعية العامة توصية بأن يعتذر العالم عن وعد بلفور، يتيح الاعتذار التخلص مما يُدعى به من تفوقٍ أخلاقي ما – بعد – قانوني للوعد. يكاد التعبير الأخير يتكشف عن أمور بالغة المأساوية قد نشهدها إذا لم ننزع الغطاء اللاهوتي عن أمر تم قبل 107 من السنوات، أشير إلى حروب دينية.
فليكن القانون الدولي وحده حاكماً، وليكن مجلسكم الكريم، مجلس الحقوق، معلناً لحقوق الإنسان والشعوب الأزلية، وقيماً عليها.
* دمشق – ٢٨ نيسان ٢٠٢٤