أمام صعوبة ما نحن عليه من ضنك العيش الذي بات يهدد سلامة المجتمع، ليس فقط على الصعيد الصحي والغذائي، الناجم عن ارتفاع مستوى الفقر واتساع مساحات البؤس، وإنما على الصعيد الأخلاقي أيضاً الذي بتنا نتلمسه بقوة عبر كثافة ظهور حالات إجرامية غير مسبوقة ولا مألوفة في مجتمعنا من قبل، كالسرقة والنشل وخطف الحقائب والموبايلات.. وما إلى ذلك..! وهذا كله لم يكن ناجماً إلا من خلال تعميق المشكلة الاقتصادية بركنيها المتقابلين دائماً: زيادة الاحتياجات وتعددها، وندرة الإمكانيات.
فاحتياجاتنا تزداد يوماً وراء يوم، إن كان على صعيد الغذاء والدواء أم اللباس والسكن، وما إلى ذلك من أسس الحياة .. وإمكانياتنا تتناقص يوماً وراء يوم جراء دخلٍ هزيل وسط ارتفاعات الأسعار المذهلة، التي طالت جميع المواد الاستهلاكية الأساسية وغير الأساسية، المترافقة مع ضعف القوة الشرائية وثبات الدخل الضعيف شكلاً، وترديه نحو التلاشي مضموناً .
أمام هذا الواقع الصعب من ضنك العيش الذي يحيط بنا ويزيدنا – مع الأسف – فقراً وبؤساً، وجدت اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء نفسها يوم أمس مضطرة لشرح الأبعاد والمبررات والإيضاح المستفيض للأسباب الموجبة التي دفعتها لاتخاذ توصية بفرض ضميمة على مستوردات مادة السكر الأبيض الجاهز، والتي تعني بالنهاية ارتفاع أسعار السكر في السوق.
في الأحوال العادية فإن مثل هذه التوصية تعتبر من أبسط الإجراءات التي كان لها أن تمر دون أي أثر ولا اهتمام، ولاسيما أنها تهدف بالنهاية إلى حماية الصناعة الوطنية للمصانع المنتجة لمادة السكر، وقد بررت اللجنة الاقتصادية ذلك بالقول إن الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد الوطني تستوجب تقديم الحماية للقطاع الإنتاجي من منظور استراتيجي طويل الأجل وليس من منظور ربحي آني.
فإقامة صناعة وطنية تكلف عشرات ومئات المليارات السورية لا يمكن اتخاذ قرار بتشغيلها أو إيقافها لمجرد وجود بعض الفوارق السعرية مع أسعار المنتجات المثيلة المستوردة. فمن الطبيعي الإقرار بإمكانية استيراد أقل تكلفة من بعض المنتجات المحلية التي تتحمل أعباءً وتكاليف إضافية كبيرة بسبب العقوبات الاقتصادية، وصعوبات توفير القطع الأجنبي التي تضغط على إدارة سوق الصرف.
وبيّنت اللجنة الاقتصادية أن هناك ثلاثة خيارات هي أدوات لحماية المنتج المحلي تتنوّع من فرض الضرائب والرسوم الجمركية، إلى تقييد كميات الاستيراد، إلى منع الاستيراد نهائياً خلال مدة الحماية المعنية، ولكن اللجنة اختارت فرض ضميمة على مادة السكر الأبيض الجاهز، لخلق نوع من التوازن بين الإنتاج المحلي والمستورد.
هذا الإجراء صحيح بكل تأكيد فيما لو كان الدخل مناسباً، واللجنة تعلم جيداً أن الدخل ركن أساسي من أركان ذلك التوازن على صعيد المشكلة الاقتصادية كلها، ولذلك سيبقى التوازن المرنو إليه هنا أعرج ولن يتحقق إلاّ جزئياً ليقابله خلل أكبر في مكانٍ آخر.
على كل حال نحن هنا نعتقد أن اللجنة الاقتصادية بإمكانها أن تبدأ العمل جدياً لترجمة خيارٍ رابع آخر أفضل وأسلم، ويحقق أكبر قدر من التوازن الذي يطول الدخل أيضاً، ويمكن بالنهاية أن يعفينا من الاستيراد سواء أكان للسكر الجاهز أم نصف المُصنّع، وذلك من خلال التعاطي جدياً مع نتائج الأبحاث السورية التي نجحت أخيراً في زراعة نبات (الستيفيا) والذي يمكن أن يُستخرج منه كميات كبيرة من السكر غير الضار، بل والمفيد للصحة.
فبتوصية من اللحنة الاقتصادية يمكن لهذه النبتة الفريدة أن تدخل في الخطة الزراعية، وأن تتحول المصانع القائمة إلى استخراج السكر منها بدلاً من المواد الأولية المستوردة المستخدمة حالياً، أو على الأقل إقامة خطوط إنتاج موازية، أو تخصيص تدريجي لبعض خطوط الإنتاج القائمة لاستخراج هذا النوع من السكر.
نجاح زراعة الستيفيا في سورية فرصة ذهبية رائعة.. ولا تزال ضائعة.