الملحق الثقافي – رنا بدري سلوم:
الشّهادةُ الوجه الجّميل للموت، للفقد، والاشتياق، الشّهادة تحرّرالرّوح من شاهدة قبر في حضرةِ الطّين، للارتقاء إلى سماواتٍ عُلا، إلى مرتبة السموّ والطّهر، في كلّ رفّة عينٍ يرتقي شهيد، في سبيل قضيّةٍ وجوديّةٍ، فلا حياة دون شهادة وولادة، هكذا تولد الأوطان، لكلّ وطنٍ قيامة، ولكلّ قيامة آلامها، والشّهادة ألمه الأول والأخير. تبقى صور الشّهداء في ذاكرتنا وعلى الجدران معلّقة كدمعنا المعلّق على غياهب الاشتياق، تقف الحروف عاجزة في حناجرنا وتصمت المشاعر أمام لهيب نيرانه، فكما وصف الشّاعر عبد الرحيم محمود «جمد الدّمع بعيني جزعاً..يا لنار القلب من دمع الجمودِ
فأذبتَ الرّوح أبكيك بها.. بدل الدّمع فسالت في نشيدي».
مع كلّ شهادة تولد قصيدة وأغنية وحكايا ورواية كان ولا يزال الشهيد فاتحتها، جوهرها ورسالتها، وهو ما يطفئ جمر الشّوق، هذا أعظم من رثاء، لا رثاء للشهداء والأنبياء والقديسين، لا رثاء لمن يفتح باب الحريّة على مصراعيه، وتعبرعلى جسده أجيال تتّبع صراط من آمنوا بالحبّ درب نجاة وحياة.
في يوم الشّهيد نستذكر من أعدموا في هذا التاريخ، ولا تزال ذكراهم العطرة نصب أعيننا، ونستذكر الشّهداء الذين ارتقوا على مذبح وطننا، و الشّهداء الذين دفعوا ثمن نضالهم وقاوموا الموت في غزّة الأبيّة، ونستذكر الشّهداء الأحياء الذين يتعافون بالتأقلم مع جراحهم، ولا تزال قلوبهم تنبض بحبّ الوطن والغيّرة عليه، فلولا الشّهداء العظماء لما أصبحنا على وطنٍ تحرسه عيون الأنبياء.
العدد 1188 –7-5-2024