كثيراً ما يلفت انتباهنا العناوين الكبيرة المتعلقة بالاهتمام بالبيئة والتركيز على الأمور المتعلقة بالمناخ وعلاقة تغيراته بالمشكلات البيئية وأثر ذلك على البقاء والاستدامة.. في حين نحن يومياً أمام تحدٍّ كبير من حيث المغزى، وصغير من حيث الإرادة في حال وجودها.
وبغض النظر عن عدم مواكبة جهود الإنسان لتسارع معدلات انبعاث الملوثات في الماء والهواء وعدم اكتراث بعض المعنيين في استمرار الغطاء النباتي والسياج الأخضر للحد من هذه التلوثات.. فإننا أمام فاجعة كبيرة تحدث بفعل الإهمال والتطنيش منذ أكثر من عشرين عاماً، وخاصة في المناطق المحيطة بدمشق، نتج عنها عملية التصحر التي جعلت المباني بفعل إرادة البلديات تحل محل الأراضي الزراعية والبساتين المحيطة بهذه المدينة العريقة.
مشكلة يعرفها الجميع إلا أن هناك عمقاً آخر مهماً يمكن أن نشير إليه من خلال الحدائق الموجودة في المدن الريفية القريبة من دمشق “في جرمانا وصحنايا والجديدة والمعضمية وغيرها”، والتي تم وضعها كبديل عن أشجار الغوطة الدمشقية سواء المثمرة منها أم المحميات الطبيعية لتصبح وبفعل التجاهل والإهمال، بديلاً مهدداً بالانقراض.
حدائق الأمس لم تبق سوى كلمات سطرها الشعراء والكتاب عن واقع عاشوا فيه وكان أشبه بالخيال من شدة جماله وانسجامه مع البيئة الطبيعية للحياة الراقية، والآن وفي الوقت الذي يحتفل العالم باليوم العالمي للبيئة نحن أمام مؤتمرات واجتماعات مكثفة تتحدث عن مشكلاتنا البيئية المتعددة وعن الأسباب والحلول التي لا تعدو أن تكون مجرد توصيات لا يتم العمل بها.
اليوم تطرح الحلول بالاعتماد على الدراسات البحثية والذكاء الصنعي وجميع البيانات وغيرها من الجهود القابعة في القاعات والمدرجات في حين المشهد الحالي يعكس احتياجات أبسط من ذلك بكثير.. وخاصة إذا ما نظرنا فقط إلى الحدائق التي تعان من أسوار مكسرة وأشجار تموت بالتدريج يوماً بعد يوم نتيجة عدم العناية والسقاية .. نباتات وورود تختفي من هذه الحدائق بعد أن كانت تزينها.. ومساحات وزوايا كانت تتزين بالنباتات العشبية تحولت إلى مكبات للقمامة.. وغيرها الكثير من المشاهد المؤذية للناظر وللبيئة في وقت واحد.. أما الحجة الدائمة أمام المعنيين والبلديات هي عدم توفر أيد عاملة لديهم وعدم توفر مياه للسقاية وعدم وعدم..
لاشك أنها حجج غير مقنعة لأن تكلفة ما نتحدث عنه لا يحتاج للعناية اليومية، بل مرة واحدة في كل شهر، تكفي لكي نتجاوز هذه المشكلة وما نشاهده من إهمال للأشجار التي يتم زراعتها سنوياً تحت عناوين حملات التشجير هي اليوم جزء من عملية الإهمال هذه.. والباقي غير خافٍ على أحد.. وما يصرف على المؤتمرات والاجتماعات يمكن أن يخصص جزء منه للعناية بالغطاء النباتي.. ولا أعتقد أن ذلك صعب.