الملحق الثقافي- أيمن المراد:
تُبذل جهود مجتمعية كبيرة ساعية لتمكين المرأة من النهوض في جميع المجالات، وتفعيل دورها في المجتمعات؛ إيماناً بأنّها شريك أول وأساسي في تحقيق أهداف التنمية والنهضة، إلّا أنّه وعلى الرغم من ذلك ما زال هناك جزء لا بأس به من الخطاب الإعلامي عاجزاً عن مواكبة ذلك، عامداً إلى حصر المرأة في صورة نمطيّة سلبية لا تُراعي إمكاناتها الكبيرة، ولا تعكس دورها شريكة في التنمية، في الوقت الذي يجب فيه أن تُستغل أدوات الإعلام الفاعلة في تغيير السلوكيات والمعتقدات المجتمعيّة السلبية حول المرأة.
ومن الملاحظ أن نسبة النساء العاملات في وسائل الإعلام منخفضة مقارنةً مع الرجال في جميع دول العالم، فهنّ يظهرن في ربع نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعية والمطبوعة فقط، ووفقاً لأحد تقارير عام 2015م فقد شاركت النساء بنسبة 19% كخبراء في النشرات الإخبارية، وبنسبة 37٪ فقط كمراسلات على مستوى العالم.
صورة المرأة في وسائل الإعلام
تعكس صور الفتيات والنساء المنتشرة في وسائل الإعلام ضمن قوالب نمطية دور المرأة في المجتمع، وتُقدّم تعريفاً لها بناءً على تلك الصور، إلّا أنّ تلك الصور النمطية تُمثّل صوراً سلبيةً تنعكس على نظرة النساء إلى أنفسهنّ، ونظرة الآخرين لهنّ، بما يحدّ من إمكانياتهنّ البشرية، فالعديد من وسائل الإعلام كالتلفاز والأفلام في معظم أنحاء العالم يُقدّمون صورةً غير متوازنة عن حياة النساء، وهواياتهنّ، وخبراتهنّ، وإنجازاتهنّ المتنوعة في المجتمع، كما يركّز بعض وسائل الإعلام على دور النساء في الاهتمام بمظهرهن أكثر من رعاية المنزل والقيام بواجباتهن الأسرية.
ومع ازدياد استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العقدين الماضيين، استغلّت بعض وسائل الإعلام ذلك التوسّع في استغلال النساء، ومضاعفة أساليب التعرّض للصور النمطية لهنّ، واستغلالهنّ إعلاميّاً بصورة سيئة وغير كفؤة، متجاهلةً الحدود الثقافية والأخلاقية التي كانت منتشرةً قبل حلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبما أنّ وسائل الإعلام تُسيطر على حياة الناس فإنّ لها دوراً واضحاً في تشويه نظرة الأشخاص لأنفسهم وتشويه المبادئ التي يتّبعونها فيما يتعلّق بقضايا المرأة.
تغيير صورة المرأة في وسائل الإعلام
حاولت المنظمات والحركات النسائية التفاوض مع وسائل الإعلام الرئيسية لإيجاد بدائل عن الصورة النمطية للمرأة في وسائل الإعلام، وفيما يأتي وصف مختصر لتلك المحاولات:
إيجاد بدائل: تمّ بذل جهود كبيرة من أجل إنشاء وسائل إعلاميةٍ بديلةٍ بهدف رفع الوعي لدى الآخرين بقضايا المرأة، وكان للمرأة دور واضح في تقديم نقد حول دور وسائل الإعلام الرئيسية في كيفية إبرازها لشخصية المرأة، كما ساهمت النساء في إنشاء الابتكارات والوسائل البديلة للتعبير عن الذات، وتعديل النظرة إليهن، وتطوير تلك الوسائل والسماح للجماهير بالوصول إليها والتفاعل معها، كما حاولت النساء الاستفادة من الاتصالات البديلة بالاستعانة بالشركات الإعلامية الحديثة والتقليدية من خلال استخدام المواد المطبوعة، والأفلام، والفيديوهات، والأغاني، والدمى لإبراز قضاياهن، إضافةً إلى تلك المساهمات ظهرت العديد من الخدمات النسائية، والجمعيات، والمنظمات النسائية في آخر عقدين، والتي ركّزت على أعمال النساء في وسائل الإعلام البديلة، كما ظهرت دور النشر النسوية أيضاً لإبراز دور النساء وإنجازاتهن.
التدخلات في وسائل الإعلام السائدة: كان لا بدّ من التدخّل في وسائل الإعلام الرئيسية، فإعطاء حرية كاملة لوسائل الإعلام دون التدخّل بها سيؤدي إلى مواصلة تعزيز القوالب النمطية للمرأة، لذا حاولت النساء التدخّل في تلك الوسائل فردياً وجماعياً من خلال اتباع استراتيجيات مختلفة تُساعدهن على الحدّ من استغلال المرأة، ومن أجل التفاوض على مساحة خاصة بهنّ داخل نظام الإعلام الحالي.
تحسين صورة المرأة إعلامياً
إن التعاون المشترك من أجل تحسين دور وسائل الإعلام ضروري لإظهار المرأة كما يجب عبر مختلف الثقافات والحدود، وفيما يأتي بعض الاقتراحات التي تُساعد على تحقيق هذا الهدف:
التأكيد على دور الحكومات في تحسين وضع المرأة من خلال أنظمتها الوطنية، كإنشاء مراكز لمراقبة وسائط الإعلام الوطنية بجميع أنواعها وتمويلها.
تعزيز وسائط الإعلام وشبكات الاتصالات النسائية، وذلك من خلال إيجاد برامج مشتركة بين وسائط الإعلام ومؤسسات أخرى تهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص، وتهتم بإقامة مشاريع تُعزّز من صورة المرأة في وسائط الإعلام.
تمكين النساء من إقامة شبكات عالمية خاصة بهن في جميع المجالات المتاحة، من خلال إتاحة الفرصة لهنّ للوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
تخصيص الحكومات مبالغ أكبر من أجل إعداد ودعم البرامج التي تُمكّن المرأة من الوصول إلى الموارد المتصلة بتكنولوجيا الاتصالات الجديدة، مع الاهتمام بمراعاة التنوّع الثقافي والاحتياجات والأولويات المجتمعية، كما يجب على الحكومات الاهتمام بعقد مناقشات عامة حول أهمية وسائل الإعلام في تعزيز المسؤولية الاجتماعية.
تعهّد وسائل الإعلام بإدخال سياسات وقواعد تُسهم في إظهار الصورة الحقيقية والواقعية للمرأة.
التوضيح من قِبل وسائل الإعلام أنّ بعض الرسائل التي تنقلها لا تعكس بالضرورة الواقع، بل الهدف منها نقل قيم بشكلٍ صريحٍ أو ضمنيٍّ بصورة تؤثّر على مشاعر الناس ورؤيتهم لأنفسهم وللعالم.
دعم تولّي الإعلاميات مناصب وأدوار المسؤولية في قطاع الإعلام، وتمكينهن من تولّي الأمور الإدراية والتحريرية للمؤسسات الإعلامية التي تعمل فيها.
تفعيل دور الإعلاميات في صياغة الاستراتيجيات الإعلامية لما يشتغلن فيه من وسائط.
منح المرأة دوراً حقيقياً في الهيئات والمؤسسات المُمثِّلة للصحفيين، مثل: هيئات التنظيم الذاتي والنقابات.
استدعاء رؤساء ورئيسات التحرير في مجال المحتوى الإعلامي لحضور فعاليات وأنشطة تتناول مواضيع المرأة والإعلام.
دعم وتشجيع الأبحاث العلمية التي تتناول مجال الخطاب الإعلامي حول المرأة.
تسليع المرأة أو تشييء المرأة: هو رؤية ومعاملة النساء كشيء عبر استخدام جسد المرأة في الترويج والتسويق للمنتجات وزيادة الأرباح، واستخدام المرأة كأداة عرض في الإعلانات التي تسعى إلى تكوينِ صورةٍ ذهنيةٍ للمنتجِ ملتصقةً بصورِ الإغراء، وتقييم المرأة في الأحداث العامة بناء على المظهر الجسدي والجاذبية الجنسية كما يحدث في مسابقات ملكة الجمال، يعد تشييئًا جنسيًا.
استخدام المرأة أو تمثيلها في الإعلانات لزيادة جاذبية المنتج على نحو يضر أو لايضر بمصلحتها بشكل خاص أو عام. تتضمن هذه العملية تقديم المرأة كسلعة، ووضع معايير محددة للجمال التي يُتوقع أن تعكسها، لتطرح الشركات في المقابل منتجات للتنحيف والتسمين، وتبييض البشرة وترطيبها، تجني من خلالها أرباحاً. في إعلان تلفزيوني لمنتج (فيرجينيا سليمس) للسجائر تظهر امرأة نحيلة بملابس السباحة تُدخن السيجارة؛ فإن استخدام جسد امرأة في مشهد مثير للترويج للسجائر يندرج في خانة تسليع جسد المرأة.
أثيرت تساؤلات لماذا يتم تسليع المرأة أكثر من الرجل، أشارت بعض الدراسات التي أجريت حول هدا الموضوع أن دماغ الرجل ودماغ المرأة كذلك يعالجون صورة جسد المرأة بالتركيز على أجزاء منفصلة من الجسد بينما يعالج صورة جسد الرجل كصورة كاملة، هناك اعتقاد أن الرجال يتم توجيههم اجتماعياً لرؤية أجسام النساء كأدوات جنسية، في حين أن النساء غير موجهة اجتماعياً لرؤية الرجال كأدوات جنسية، ويرى بعض الباحثين أن الرجال موجهون فطرياً للإستثارة بصرياً، حيث إنه «لا توجد مجلات تعرض صور ذكورية من أجل النساء لإثارتهن» وهذا يوضح لماذا توجد على لافتات الإعلانات والمجلات صور لنساء شبه عاريات، فمثلاً الجزء العلوي من الجسد يرخص للنسوة إبداء ما أردن منه في أماكن الشغل دون اعتراض أو إحراج، بينما الصحفي أو مقدم الأخبار سيتلقى توبيخًا من مديره إن ارتدى قميصًا فتحت بعض أزراره، فالرجال ينفقون مليارات الدولارات للنظر إلى النساء اللاتي يرتدين ملابس قليلة بطرق مباشرة أو غير مباشرة، من ناحية أخرى لا تنفق النساء شيئًا تقريبًا لرؤية الرجال الذين لا يرتدون ملابس.
يتساءل المتخصص النفسي جوردان بيترسون، لماذا يجب على النساء ارتداء المكياج أو الكعب العالي في مكان العمل، ولماذا يسمح مثلاً لمقدمات الأخبار بارتداء التنانير القصيرة للعمل بينما يمنع لبس الشورت على الرجالّ ويشير إلى أن ذلك معيار مزدوج لمن يعترض على التحرش الجنسي في حين يشجع النساء على تشييء أنفسهن في بيئة العمل.
مساحيق التجميل
أصبحت مستحضرات التجميل ترسخ للصورة المجتمعية التي تسعى إلى تشييء النساء، وصارت هاجساً وسلوكاً قهرياً لمعظم النساء، حيث إن اضطرار المرأة لوضع المكياج دون الرجل بدل أن تكون على طبيعتها، يسهم في تراكم صور مجتمعية محددة لمفهوم الجمال، ويضيف أعباء نفسية على النساء، ويزيد التركيز فقط على الجسد الأنثوي، بدلاً من الشخصية أو القدرات، يفرض بعض رؤساء العمل على العاملات وضع الماكياج بينما لم يكن لدى الرجال الذين يعملون في مكان العمل نفسه مثل هذا الشرط.
تراكم الصور النمطية في أذهان المجتمع على مر السنوات عن المرأة جعل من الصعوبة التخلص منها، ومحاولة تغييرها، فالمجتمع الذي اعتاد على هذا الشكل من التفكير يحتاج إلى بذل الجهد لتعديل سلوكه، فالمجتمع تقع على عاتقه مسؤولية أكبر لتغيير تلك الصورة.
العدد 1196 –9 -7-2024