ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم :تستحضر النكسة أوراقها وقد أوغلت مشيخات الخليج في غيها، وصعّدت إلى حيث يصعب عليها النزول، وهي من هناك تكتب أوراقها البديلة والهزيلة، ليكون التاريخ مرة أخرى شاهداً على إحراق مراكبها وقد غفلت عن سبل العودة، بعد أن دفعت أحقادها وضغائنها إلى المربع الأخير.
ولأن الأوراق لا تصلح للاستخدام دائماً وفي كل الأوقات فقد آلت النكسة أن تفردها حيث لا مكان لها، وليس هناك من يسمعها، فأشاحت بوجهها خارج سياق الحدث وبعيداً عن مساحات الرؤية القاصرة لتلك المشيخات التي تعصر أورامها وسط رمال متحركة وفي ظل مراهقة سياسية وبدائية دبلوماسية متخمة بالضغينة والحقد.
وفيما الأمر يحتاج إلى فكّ أحجيات وألغاز يصعب فهمها إذا ما أخذت على مقاس تلك المشيخات، تفرد الدبلوماسية الغربية أوراقها للتشكيك في جدوى ماذهبت إليه، وهي تنقل أمر العمليات إلى أدواتها في المنطقة.
وفي حين يميل الموقف الغربي إلى التهدئة نسبياً على المستوى السياسي، نجد تلك المشيخات تنطلق في فصل تصعيدي غير مسبوق، بل يبدو مربكاً للأوروبيين كما هو للأميركيين، وبعض مقاطعه على الأقل تحدث حرجاً من السقف الذي تصل إليه مواقف تلك الأدوات.
والأمر ليس حكراً على ما خلص إليه الاجتماع الوزاري العربي المصادر من مشيخات الخليج وحالة الهستيريا السياسية التي سيطرت على قراراته، بل يكاد يكون أيضاً على التداعيات التي تحاول العواصم الأوروبية كما هي واشنطن أن تكون في حل من أي التزام أو تعهد تجاهها.
سبق لمشيخات الخليج تلك أن مارست تهورها السياسي غير مرة، وأبدى الأوروبيون كما الأميركيون تبرماً واضحاً من هذا التهور، لكنها في كل المرّات لم تصل الأمور إلى ما وصلت إليه هذه المرة، حين دفعت بأخر ما في جعبتها من أوراق تصعيد إلى الواجهة بهذا الشكل العدائي والإلغائي .
على المقلب الآخر كان الأوروبيون يستبعدون من أوراقهم أي إشارة إلى الرغبة في استبدال مهمة أنان أو العمل خارج مجلس الأمن، وإن كانت المساعي لإحداث تعديلات فيها لم تتوقف، ولم تهدأ.. غير أنها في نهاية المطاف كانت تسلم بأن الخيار الوحيد المتاح مرحلياً هو العمل وفق مقتضيات المهمة إلى وقت آخر!!
اللافت في الحالين أن السعار الخليجي الذي كانت بعض الدول العربية شاهد زور عليه مرة جديدة، تم تسويقه على أنه استجابة للتصعيد الدبلوماسي الغربي وحملة السعار الغربي في مجلس الأمن، لكن جاء في وقت انكفأ فيه السعار الغربي نسبياً وحلت مكانه لغة أخرى مختلفة، وإن كان هذا الانكفاء في النهاية حصاد آخر للدبلوماسية الروسية.
مرة أخرى يبدو أن الدروس والتجارب المعتمدة لم تقدم لمشيخات الخليج ما يسعفها على الخروج من نفق ظلاميتها.. وفي هروبها تزيد من عوامل تأزمها وهي تلهث خلف الإشارات الأوروبية والأميركية في صعودها إلى الشجرة التي ستقف عليها طويلاً، وقدمت إضافات على أمر العمليات الأميركي لم تكن مطلوبة ولا يريد الأميركي أن يتحمل تبعات تلك الإضافات، لذلك نجده اليوم ينأى بعيداً، فيما الأوروبي يقف في الاتجاه الآخر بانتظار إنجاز معادلات الربح والخسارة في العلاقة مع روسيا.
أزمة تلك المشيخات أنها تخلط بين الاشارات والإيحاءات وبين أمر العمليات.. بين ما هو مكتوب في السطور، وبين ما هو داخل السطور كما خلطت وتخلط بين الحسابات والمقامرات.. بين التمنيات والوقائع.. وهذا يبشر به إفلاسها الإعلامي والدبلوماسي وحملات تحريضها وتجييشها وفشل كل ما خططت له في الماضي وما أقرته للمستقبل!!
وإذا احتفظت النكسة بأوراقها طوال خمس وأربعين سنة فإن التاريخ سيتكفل بحفظ أوراق تلك المشيخات بسعارها وتآمرها .. لسنوات طويلة في سجل إرهابي أسود ودامٍ.
a-k-67@maktoob.com