ثورة أون لاين: هي كذلك حقاً, رمادية اللون مسكونة بالأسود.. وسام براق من ذهب أو ماس, لكنه مزيف في لبه, متهالك حتى الهشاشة تحت مطارق الاختبار وفوق سندان الألم, غير مفهوم أو مبرر ولا حتى أخلاقياً,
أن تجعل من سوريتك زورق نجاة تتقاذفه أمواج متلاطمة من العقل والغريزة والانتهاز.. تظنه خلاصاً في لحظة ذكاء وتحايل, وتأخذك الدهشة واللا جدوى حين تتحسس الثقوب غير الظاهرة في قعر الزورق وقد امتلأ ماء وشارف على الغرق!
هي كذلك حقاً, رمادية اللون مسكونة بالأسود.. كحية رقطاء حريرية الملمس مرنة الالتواء, لا تلبث أن تذهب بك قريباً إلى الطمأنينة والهدوء حتى تلدغ عقبك ومن حيث أمنت اللدغ, أن تجعل من سوريتك ضفتين متقابلتين على هوة سحيقة, تدس في كل منهما قدماً وتنتظر زلة إحداهما كي تنقذك الأخرى.. فماذا إن زلت القدمان؟
حتى اليوم لا يزال الفرنسيون منقسمين ولا يزال ملف قضية الجنرال بيتان مفتوحاً وقابلاً لثنائية الاجتهاد والتأويل.. ولثنائية الإدانة والبراءة دون ثالث وسط, حول هل كان بيتان قائد حامية باريس وطنياً أم خائناً حين آثر الانسحاب من باريس وهي سالمة على تدميرها ولا جدوى الدفاع عنها أمام حصار الغزاة النازيين العتاة مطلع أربعينات القرن الفائت وإبان الحرب العالمية الثانية, في حين ما انقسم الفرنسيون يوماً حول من كان منهم ديغولياً وصار اشتراكياً أو العكس!
فالأبيض أن نجتمع حول سورية وإن فرقتنا السياسة, والأسود أن نتفرق حول سورية ولو جمعتنا السياسة.. إذا كان ثمة سياسة تبقى لتجمعنا أو كان ثمة ما يمكن أن يجمعنا حينها, والوطن قيمة أخلاقية أولاً.. والأخلاق لا تقبل القياس والمعايرة المادية ولا البيع والشراء والمقايضة ولا الرهان والمساومة والمجازفة.. أو المداهنة . فإن كنت وطنياً فليكن الأبيض لونك الوحيد, دون أي هامش فصل عن الأسود, لممارسة ألعاب السباحة أو خطابات الدجل والرياء, وإن كنت غير وطني فليكن الأسود لونك الوحيد دون هامش مماثل لممارسة التبرج والتزين وغسيل اليدين دون القلب!
فيا أيها السوري.. كن مع سورية ولا تكن عليها, مع ترابها لا مع أعشابها ما أينع منها وما ذوى, مع جسدها لا مع أثوابها ما تبقع منها وما لمع, مع شعبها لا مع شخوصها ما ارتفع منهم وما اتضع.. فأشرف لك ولنسلك أبد الدهر من بعدك.. أن تكون مصلوباً في محرابها من أن تكون اسخريوطياً في سوقها؟
المصدر: جريدة الثورة- خالد الأشهب