يقول الخبراء وعلماء نفس الطفل إن للثقافة الإلكترونية أثرها البالغ على أطفال اليوم إلى درجة أنها جعلت من أجيالها أناساً يختلفون عمن سبقوهم في أنماط التفكير، وتقبل التكنولوجيا والتفاعل مع كل جديد منها، وهذا الاختلاف إنما يتجلى في سرعة استيعاب المعلومات، والتعامل معها بطرق غير خطية، مما يختلف عن الأجيال السابقة، وهذا النمط من التفكير يساعد على تحقيق أكبر فائدة من استخدام التكنولوجيا تلك التي تقدم المعلومة عندما يكون المرء بحاجة لها.
أجيال للألفية الثالثة تنشأ على مهارات، وخبرات، تكتسبها من البيئات الافتراضية حيث لا توازيها أي بيئة واقعية، فماذا يعني كل هذا؟ إنها العوالم الافتراضية متعددة الأغراض التي يدخل إليها هؤلاء بشخصيات رمزية يتقمصونها بهدف تدريب ما، أو محاكاة ما للتعلم، أو تشارك خبرات مع أناسٍ آخرين في قاعات افتراضية للاجتماعات، ولعدد كبير من المهتمين، وبما يوفر كثيراً من نفقات السفر، وعناء ترتيبات اللقاءات الكبرى، ومن دون الحاجة لبناء حيز مادي للقيام بتجارب قد تكون في أجواز الفضاء، أو في قاع البحار، أو في ميدان المعارك والحروب، فبرمجيات المحاكاة تفعل فعلها في مجالها وهي تتكامل مع غيرها من التقنيات.
وهذه الأجيال التي نشأت في ظل الرقمية لا تجد صعوبة في تقبّل بيئاتها، وتعلم كيفية التعامل معها واستخدام أدواتها بشكل جيد.. وهذا بدوره يفتح باباً واسعاً لشركات التكنولوجيا التي تؤمن تلك البيئات الافتراضية لاستلاب عملائها، وجعلهم يرتبطون بها بشكل لا يمكن الاستغناء عنه.
صناعات كبقية الصناعات إلا أنها من نوع جديد سرعان ما تستوعبها الأجيال المتتالية، وتندمج فيها لتتأصل لديهم فهي نقطة الانطلاق التي لم تسبقها أنساق غيرها تعرفت إليها هذه الأجيال.. فمن شهد مراحل التطور العلمي حتى وصلت به إلى عصر الرقمية لاشك أنه أقل إتقاناً لتعلم تقنيات العصر ممن ولدوا في زمنها، وفتحوا أعينهم عليها كمن يتعلم لغة ثانية جديدة ومَنْ يتعلم لغته الأم.
أما أساليب التعليم الحديثة في زمن الثقافة الإلكترونية فلم تعد تناسبها طرقنا التقليدية مادامت الأجيال الرقمية تتعلم حتى عن طريق اللعب، والصورة، والمحاكاة، ومادامت الجامعات اليوم توفر كليات لدراسة علوم حديثة لم تكن من قبل.
والأساليب الحديثة في التواصل لم تقتصر على العلم في المدارس، والجامعات، والمعاهد بل هي أيضاً في مجالات الأدب، والفن، وتطور مفهومهما في كل ما يصدر عنهما إذ لم يعد مرحباً بأساليب قص قديمة، ولا بفن لا يخرج بما هو جديد، ومختلف، بل ومبتكر، فالكتابة الإبداعية باتت بحاجة لأن تكون لصيقة بالمادة المعرفية كعنصر جذب، وتعلم بآن معاً، ومادامت العلوم الآن في حالة شبه اندماجية مع الفن، والأدب فكان لابد من تجاوز ما سبق من أساليب فنية، وأدبية، وتعليمية، وتبني الحديث، والعصري منها، كما تبني مفاهيم جديدة، وقيم معاصرة.
لقد نضج الصغار بحيث لم يعودوا يُقبلون على ما ينتقص من ذكائهم، أو من تجربة اكتسبوها بفضل ما تتيحه لهم وسائل العصر مهما صغرت أعمارهم.. إنهم أجيال الرقمية، أو بتعبير أدق ما يطلقون عليه اسم (جيل غوغل)، وقد برعوا في استدعاء ما يحتاجونه من معلومة.
ورغم كل ما تنطوي عليه الرقمية من مظاهر خداعة لأجيال لا تتمتع إلا بثقافة سطحية، ولا تكتسب إلا معارف تكاد تكون متشابهة إن لم نقل موحدة فيما بينهم لأنها تُستقى من مورد واحد، وممارسة أنشطة متعددة في آنٍ معاً مما يجعل المرء أقل تركيزاً على هدفه الرئيسي، إلا أن هؤلاء أصبحوا يجيدون التعامل مع مفردات عصرهم بشكل أكثر براعةً، وسرعةً ممن سبقوهم بعد أن اكتسبوا أنماط تفكير تكاد تشبه خوارزميات شبكة المعلومات تجعلهم أكثر استقلالية، وأكثر قدرة على اتخاذ القرار، مما يجعلهم أكثر مرونة، وانفتاحاً على المستقبل.
ومادام هؤلاء يدركون جيداً ماذا تعني (الحوسبة الاستباقية)، ويعتمدون في مساراتهم اليومية على (الذكاء التنبؤي) تلك التقنيات التي تقدم المعلومة في وقتها وقبل استدعائها بالبحث عنها، فإنهم لا شك سيفوزون بالنجاح في عصر السرعة، وستفوز الرقمية بالتالي بما وصلت إليه من فضاءاتٍ واسعة.