الثورة _ فؤاد مسعد:
يذهب المايسترو بشر عيسى قائد كورالي «أرجوان» و»سيدات النغم» في خياراته الإبداعية إلى أبعد من حدود «إحياء أمسية كورالية»، فهناك رحلة مضنية من البحث والتقصي والانتقاء تسبق التدريبات، ليحمل ما يقدمونه هدفاً ورسالة، هذا الأمر بالتحديد يمكن استقاؤه من فحوى كل من الأمسيتين اللتين ستقامان ضمن مهرجان دلبة مشتى الحلو للثقافة والفنون بدورته الـ 12، والذي يحتفي بالثقافة السريانية، حيث يحيي الأمسية الأولى كورال «أرجوان» وهي بعنوان «الأغنية السورية عبر التاريخ»، في حين يحيي الأمسية الثانية كورال «سيدات النغم» بمرافقة فرقة التخت الشرقين، وهي بعنوان: «قدود وموشحات وأغاني سورية».
العنوان المُلهم
حول مشاركة كورال «أرجوان» أشار المايسترو بشر عيسى في حديثه لصحيفة الثورة إلى أن «مهرجان دلبة مشتى الحلو» يعدّ من أكبر المهرجانات الثقافية النوعية في الوطن العربي، والتي تتضمن عدداً كبيراً من الفعاليات الثقافية. يقول: عندما دُعينا للمشاركة في المهرجان المكرّس هذا العام للثقافة السريانية، كان العنوان ملهماً بالنسبة إلينا، فقمنا بتحضير برنامج غنائي خاص للمناسبة، وفضلنا تسميته «الأغنية السورية عبر التاريخ» لأنه يتضمن لوحة بانورامية عن الأغنية السورية في عدة حقب زمنية.
النشيد الحوري
يبدأ برنامج أمسية «الأغنية السورية عبر التاريخ» بنشيد «نيكالا» أو «آلهة القمر» من أوغاريت، والذي يعود إلى 1400 قبل الميلاد، ويُسمى «النشيد الحوري السادس» ووجِد في أورغاريت نهاية خمسينيات القرن الماضي، هذا ما يؤكد المايسترو عوض، لافتاً إلى أنه تم فك الرموز الموسيقية واللغوية للرقيم الذي يُعتبر أقدم تدوين موسيقي في التاريخ، يقول: «سنقدم النشيد في المهرجان لأول مرة بالترجمة السورية للعالم السورية راوول فيتالي، الذي ترجمه عام 1982, وهي ترجمة موسيقية متميزة عن الترجمات السابقة التي اكتشف فيها أخطاء موسيقية، لكنها منتشرة على المواقع الالكترونية وضمن الكتب المطبوعة في العالم، ويؤكد أن الكلمات التي تم غناؤها حتى اليوم ناقصة 27 مقطعاً صوتياً، اعتمدنا على أحدث ترجمة موجودة والتي قُدمت بعد استخدام التقنيات الحديثة لفك الرموز وإعادة استحضار الرموز الناقصة».
مرثاة سيكيلوس
الأغنية الثانية التي سيتم تقديمها عبر التسلسل التاريخي «خاصادي قومون» أي «انهضوا أيها الحصادون»، عنها يقول: «هي من التراث الآشوري وباللغة السرياني الشرقية، قمت بتوزيعها إلى أربعة أصوات مع مرافقة فرقة موسيقية، أما الأغنية الثالثة (مرثاة سيكيلوس) فهي أغنية يونانية، وتُعد أقدم قطعة موسيقية كاملة، حيث تعود للقرن الثاني قبل الميلاد، ونقدمها بطريقة تدوينها الصحيحة، ورغم أنها مرثاة إلا أنها تخاطب الحياة، وتقول كلماتها: اضحك ما وسعك الضحك، وجنب نفسك الهموم، نهار الحياة قصير، وليل الموت يترصدك»، فيما بعد ووفق التسلسل التاريخي سيغني الكورال واحدة من أقدم الترانيم السريانية التي يعود نسبها إلى القديس أفرام السرياني في القرن الرابع، وهي «عال ترعك عيتو» أي «على أبوابك أيتها الكنيسة»، ويوضح المايسترو بشر أنه قام بتوزيعها على أربعة أصوات من مقامين، «البيات» وفيما بعد تٌغنى على مقام «النهاوند»، بمرافقة البيانو والإيقاع.
الآرامية المحكية
ويؤكد أن الجديد الذي سيقدمونه لأول مرة يتمثل في أغنيتين باللغة الآرامية المحكية، أو ما يُعرف بالسريانية الغربية، يقول: تمت إعادة كتابة الأغنيتين من جديد على لحن معروف، الأولى «على دلعونا» وسنغنيها باللغة الآرامية «عاليد العونا»، وقام بكتابة كلماتها بالآرامية الشاعر المعلولي ميلاد الميال، وهي من دون مرافقة موسيقية لكورال ومن أربع أصوات، ومكتوبة بقالب التنويعات الكلاسيكي على مقام البيات، وتنويع على مقام الحجاز، وهناك رقصة بالأغنية «عبر الموسيقا» على مقام نهاوند وعودة إلى البيات، أما الأغنية الثانية فهي «لشونح آرومو» أو «لغتنا الآرامية»، على لحن «طالعة من بيت أبوها»، وهو لحن معروف من مئات السنين في القلمون، وكتب كلماتها الشاعر الجبعديني حسين علوش. ويشير إلى أنهم سيغنون بعدها أربع أغنيات من تراث المنطقة، وهي: «عالمايا» من تراث الفرات، «عالروزنا» من تراث بلاد الشام، «على روض الحبيب» من تراث الساحل السوري «اللاذقية»، «يا لور حبك» من تراث بلاد الشام، كما سيغنون أحد أقدم الموشحات الحلبية «فيك كل ما أرى حسن» من مقام البيات، ويلفت المايسترو بشر عيسى إلى أن جميع الأغنيات المقدمة باستثناء ثلاثة منها «النشيد الحوري السادس، نشيد آلهة القمر، موشح فيك كل ما أرى حسن»، قد أعاد توزيعها إلى أربعة أصوات هارمونية وبوليفونية، لتواكب العصر مع الحفاظ على اللحن الرئيس فيها وروحها الشرقية، مشدداً على أن التحضير لمثل هذا البرنامج كان أمراً صعباً، خاصة أنه بخمس لغات «اللغة الحورية، السرياني، الآرامي، اليوناني، العربي»، كما أنه أتى متعدد الأمزجة والأنماط الموسيقية، من ترانيم قديمة جداً وأثرية، وأغانٍ تراثية وموشحات.
اختزال روح الشرق
وفيما يتعلق بالأمسية التي سيقدمها كورال «سيدات النغم» قال: «كان هدفنا الربط مع ما يُغنى في كورال سيدات النغم المُتخصص بالغناء الشرقي وأغاني بلاد الشام التراثية والموشحات والقدود الحلبية. وقد ربطنا ذلك بعنوان المهرجان، فالسلم الموسيقي السوري انبثقت عنه المقامات الموسيقية التي لاتزال تحافظ على روحها وهويتها، وهي نفسها التي اشتغل عليها الآشوريون والآراميون، وشعوب المنطقة كاملة، كما أن ألحان القدود قائمة وموجودة، والقدود الحلبية التي لا نعرف من لحنها، وهي الوثيقة السورية الأصلية التي وصلتنا كما هي على مقامات كثيرة التعدد»، ويشير إلى أنهم حاولوا ضمن برنامج كورال «سيدات النغم» اختزال روح الشرق من خلال ثلاث أنواع من الغناء، عنها يقول: هي القدود والموشحات الحلبية، «ونعني بالحلبية الموشحات التي تم كتابتها أو تلحينها وتوشيحها من قبل وشاحين وموسيقيين حلبيين، مثل عمر البطش وبكري الكردي وغيرهما»، إضافة إلى عدد من الأغاني التراثية الموجودة في المنطقة، مثل «يا فجر لما تطل».. «ابعتلي جواب». وما تبقى فهو موشحات.