الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
بدت حيادية تماماً، تشبه روبوتاً تتحرك بحركات لا معنى لها بينما تراقب ضيوفه في الحديقة الواسعة، حين كان يحضر لها كل تلك الزجاجيات الفاخرة التي هيأها مسبقاً لاستقبالهم، كانت تحاذر أن تكسر إحداها.
خشيت على تلك الأواني أن تتفتت كما فعل يوماً بقلبها، حينها كأنها شرخت قسمين أحدهما لايزال مفقوداً، ويبدو أنه زال إلى الأبد، ذلك الجزء الذي لا ندرك باكراً خطورته إلا حين تقودنا العواطف إلى غابات ننبهر بمجرد دخولها ببهاء تلفعنا شمسها وتجذبنا أشجارها ونتلطع بعشق إلى طيورها… وكلما توغلنا على أرض عشبية تومئ لنا بإحساس غامض نعتقد أنه مزيد من البهجة.
وهي تنظف الأواني جيداً ذهبت ذاكرتها إلى تلك الرحلة التي اعتقدتها أنها أسعد رحلات العمر، كانت تسترق نظرات تشعرها أنها تطير وترفرف كورقة شجر خفيفة تذهب إلى نهاية الكون، غير آبهة بهمسها بما لا يسرها، لكنها تصر على أن تصم أذنيها
وتشد بقايا الآخر إليها وتتطلع نحو النجوم خوفاً من العودة بمفردها.
مع مرور آخرين، خاصة تلك السيارة البيضاء التي تقودها إحداهن بدا صوت الأشجار يعلو كأن يداً خفية تحرك كل شيء ترافقت مع اهتزازات أجبرتها على إفلات يد الآخر، ولا تدري كم مضى من الوقت حين نظرت ولم تراه.
من كبر على الحكايات الخرافية، على عالم الساحرات والجدات، وقصص الحب الغريبة، لن يفهم سر أولئك العمليين الذين يبدلون كل شيء بسرعة كفهد يجري خلف فريسته.
كم يبدو الطريق مظلماً في العودة تتساءل كيف لم تنتبه لكل هذه الوعورة، كيف وقد نواجه وحوشاً ضارية لا تقوى حتى على النظر إليها وتتوقف الأشجار عن الهمس إلينا مجرد نظرات ممزوجة بالاستغراب كأنها تقول: ألم أقل لك…؟
لا يبدو شيئاً كما كان حتى قلبها لم يعد في مكانه، كل ما حوله تيبس واصفر هل يشعر بما تشعر…؟
ما فقدته لن تعثر عليه مرة أخرى، هو لم يضل الدرب، همست لها الأشجار مرة أخيرة!.
العدد 1202 – 27 -8-2024