«إدوارد سعيد» يفكُّ قيود الأساطير

الملحق الثقافي – ر . س:

«لا يمكننا النضال من أجل حقوقنا وتاريخنا ومستقبلنا دون التسلّح بأسلحة النقد والوعي المخلص» هل حقاً امتلكنا النقد، أم أصبح الوعي استسهالاً و تمرير الأفكار دون تفنيدها برجاحة عقل ومنطق؟
لم تكن دائرة الوعي عند «عملاق الفكر» كما أطلق عليه البروفيسور إدوارد سعيد، محدودة الزمان والمكان بل بدت لكل عصر، فلا تزال فلسطين تنزف ولا تزال الليبرالية الحديثة ترنو إلى مجتمعاتنا المحافظة بعين الذئب وتتسرب كالماء على مسامات جسدنا العربي، استطاع سعيد أن يتناول كل تلك الأفكار بأكثر من عشرين مؤلفاً، تُرجم إلى أكثر من عشرين لغة عالميّة،.
كتبٌ فكرية ثقافية اجتماعية سياسية وحتى موسيقية، أوضح فيها كل المفاهيم والقضايا الشائكة، وما أذكر من أقواله وبما معناه هناك فرق بين البُنوة وبين الاتباع أو الانتساب، البُنوة عنده تعني الانتماء، بينما الانتساب هو الاختيار بالعمد والقصد، وهنا يبين أنه ليس كل إنتاج أدبي ينتمي إلى ما سبق انتاجه من أدب وفقاً لحتمية النُبوة، بل الشاعر أو الكاتب يستطيع أن يخلق شيئاً جديداً أصيلاً.
يطبّق سعيد نظريته تلك في تحليله للمستشرقين وتقسيمهم إلى فئات نسبة إلى «بُنوتهم».
ارتبط اسم الاستشراق باسمه الكاتب الذي بقي منتمياً لأرضه متجذّراً بها، فكتب وعبر عن انتمائه لبلده فلسطين، لم يكن صاحب فكر وحسب بل صاحب مبدأ وموقف وقضيّة ففي تجربته السياسيّة وما يعرفه الجميع أنّ سعيداً كان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني لمدة أربعة عشر عاماً ثم استقال بسبب معارضته الشديدة لبعض مواقف الرئيس الفلسطيني آنذاك وخاصة معارضته اتفاقيّات «أوسلو» التي كان يعتقد أنها صفقة خاسرة للفلسطينيين.
انتقد إدوارد سعيد خطأ الغرب في مقاربته ورؤيته للشرق، وطرح مقاربة جديدة تسهم في ردم الهوّة بين الشرق والغرب، من خلال احترام التعدديّة الثقافيّة وربط المعرفة بالنزعة الإنسانيّة بدل النزعة التسلطيّة الأيديولوجيّة.
ولأجل ذلك كان يوجّه الطلبة العرب إلى دراسة تاريخ الأمم والحضارات الأخرى، ويحثّهم على عدم الاقتصار على معرفة تاريخهم فقط.
وهو القائل» التاريخ يكتبه أولئك الذين انتصروا وأولئك الذين سيطروا».
وقد عرف سعيد بمواقفه الجريئة وكتاباته في الشرق الأوسط التي يدافع فيها عن القضية الفلسطينية، وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة.
ألّفّ سعيد «الاستشراق» الكتاب الأول في سلسلة من ثلاثة كتب تتناول العلاقة بين العالمين الغربي والعربي والكتابان الآخران هما القضيّة الفلسطينية ١٩٧٩، وتغطية الإسلام ١٩٨١ ثم أتبعهم بكتاب «الثقافة والإمبريالية» الذي قال عنه في المقدمة إنه بمنزلة الجزء الثاني من «الاستشراق».
كما ألفّ سيرة ذاتية أصدرها عام ٢٠٠٠ بعنوان «خارج المكان» والذي يعتبر واحداً من المذكّرات الكاشفة لأحوال الفلسطينيين في عام ما بعد ١٩٤٨، كتب عن الحياة خارج المكان والمقصود هنا بالمكان أي فلسطين، ويروي سعيد قصة استثنائية عن المنفى في احتفاء بماضٍ لا يمكن استرجاعه.
إضافة إلى كتب دراسات ومقالات حول الصّراع العربي الإسرائيلي وقضايا سياسية أخرى وقضايا ثقافيّة وأدبيّة، وكتاب يصوّر تمثيليات الغرب للعالم العربي الإسلامي، وهي تلك الصورة التي ينعتها سعيد بمصطلح وليم بليك، إذ قام الاستشراق بأسطرة الشرق والشرقي، عبر تعميم مظاهر فردية.
اخترت من كتاب الاستشراق لسعيد «إن الاستشراق، رغم أوجه الفشل المذكورة، و رطانته المؤسفة، و نزعته العنصريّة التي لا تكاد تخفى، و جهازه الفكري الهزيل، يزدهر اليوم بالأشكال التي حاولت وصفها، إذ تحفل صفحات الكتب و المجلات المنشورة بالعربيّة بتحليلات من الدرجة الثانية يكتبها العرب عن «العقل العربي» و عن «الإسلام»، و غير ذلك من أقوال في عداد الأساطير.
و يحقّ لنا والقول لسعيد أن نعتبر التكيف بين الطبقة المثقفة و بين الإمبريالية الجديدة يُعد انتصاراً من انتصارات الاستشراق الخاصة، فالعالم العربي اليوم تابع فكري و سياسي و ثقافي يدور في فُلك الولايات المتحدة، و ليس هذا في ذاته ظاهرة يؤسف لها، لكن ما يؤسف له هو شكل علاقة التبعية المذكورة.
وعلينا هنا أن نتسلّح بالواقعيّة الكاملة في وصف الأوضاع الناجمة، إذ لا يملك باحث عربي أو إسلامي أن يتجاهل ما يُنشر في الدوريّات العلميّة و لا ما يحدث في المعاهد و الجامعات في الولايات المتحدة و أوروبا و العكس ليس صحيحاً.
و النتيجة المتوقّعة لهذا كله هي أن الطلاب الشرقيين (والأساتذة الشرقيّين) لا يزالون يريدون أن يأتوا ليتعلموا من المستشرقين الأميركيين، حتى يعودوا ليكرروا على مستمعيهم المحليين نفس القوالب الفكريّة واللفظيّة التي وصفتها بأنها عقائد استشراقيّة جامدة.
و مثل هذا النظام من التكاثر أو الاستنساخ يدفع الباحث الشرقي حتماً إلى استخدام تعليمه الأميركي في الإحساس بالتفوق على أبناء وطنه بسبب قدرته على «الإحاطة» بالنظام الاستشراقي و تطبيقه، و لكنه يظل مصدر معلومات وطنياً في علاقاته برؤسائه من المستشرقين الأوروبيين أو الأميركيين».

العدد 1202 – 27 -8-2024

آخر الأخبار
درعا: مطالبات شعبية بمحاسبة المسيئين للنبي والمحافظة على السلم الأهلي "مياه دمشق وريفها".. بحث التعاون مع منظمة الرؤيا العالمية حمص.. الوقوف على احتياجات مشاريع المياه  دمشق.. تكريم ورحلة ترفيهية لكوادر مؤسسة المياه تعزيز أداء وكفاءة الشركات التابعة لوزارة الإسكان درعا.. إنارة طريق الكراج الشرفي حتى دوار الدلّة "اللاذقية" 1450 سلة غذائية في أسبوع أهال من درعا ينددون بالعدوان الإسرائيلي على دمشق ‏الحوكمة والاستقلالية المؤسسية في لقاء ثنائي لـ "الجهاز المركزي" و"البنك الدولي" المستشار التنفيذي الخيمي يدعو لإنشاء أحزمة سلام اقتصادية على المعابر وزير المالية: محادثاتنا في واشنطن أسفرت عن نتائج مهمة وزارة الرياضة والشباب تطوي قرارات إنهاء العقود والإجازات المأجورة لعامليها طموحاتٌ إيران الإمبريالية التي أُفشلت في سوريا تكشفها وثائق السفارة السرية خبير اقتصادي لـ"الثورة": إعادة الحقوق لأصحابها يعالج أوضاع الشركات الصناعية عمال حلب يأملون إعادة إعمار المعامل المتضررة مركز التلاسيميا بدمشق ضغط في المرضى وقلة في الدم الظاهر: نستقبل أكثر من ٦٠ حالة والمركز لا يتسع لأك... استمرار حملة إزالة البسطات العشوائية في شوارع حلب الأونروا: لم تدخل أي إمدادات إلى قطاع غزة منذ أكثر من 7 أسابيع صحة حلب تتابع سير حملة لقاح الأطفال في منبج هل سيضع فوز الليبراليين في انتخابات كندا حداً لتهديدات ترامب؟