ذاكرة.. إلياس الفاضل: أكتب الشعر لأن الكتابة تحقق لي ذاتي

الملحق الثقافي:                   

حوار مستعاد مع شاعر أصيل وحداثي رحل منذ فترة من الزمن نستعيده من ذاكرة الملحق الثقافي لعام 2005 م
«كيف لانحبه هذا العصفور الأزرق؟ كيف لانطير فرحاً بخَّلاق في هذا الوزن..إلياس الفاضل الشاعر النضر القوي الطريف الذي وفد إلينا كتابه من على ضفاف بردى ليجد في لبنان قلباً يحبه وسع الحب، ويعجب به من دون تحفظ».
بهذه الكلمات وصف« سعيد عقل» الشاعر إلياس الفاضل الذي انقطع عن الساحة الأدبية لمدة ثلاثين عاماً قضاها في الغربة لكنه لم ينقطع يوماً عن كتابة الشعر أو الحنين.. وقدكان أيضاً لسعيد عقل مقولة طريفة بـإلياس ومحمد الماغوط « قرقعة أقدام هذين الشاعرين ملأت بيروت بالضجيج» كيف لا وقد عملا معاً في بيروت.. فهو في مجلة «البناء» والماغوط في مجلة «الزمان» لينتهي بهما نهار من العمل على شاطىء البحر من هذه المحطة تبدأ الرحلة مع هذا العصفور الأزرق، عن البدايات البعيدة القريبة.. وللبدايات عبقها في روح الشاعر.. تبقى عالقة كوشم في الذاكرة.. كنتَ أحد مؤسسي قصيدة النثر في سورية، فإلى أي مدى ترتبط بمفرداتك، فلكل محب وعاشق لغته الخاصة.. كيف تعامل حروفك وتدللها؟.
عندما بدأت الكتابة.. كتبت الشعر العمودي وشعر التفعيلة ولكن لم أجد فيهما ذاتي رغم أن بعض قصائدي لاقت قبولاً حسناً ونقلتها العديد من الصحف والمجلات دون علمي ونُشر بعضها في الصفحات الأولى، فكرت كثيراً قبل كتابة هذا النوع الخاص من قصيدة النثر، وعندما بدأت بكتابتها لم أكن أسعى إلى تأسيس أي نوع من أنواع الشعر.. أكتب الشعر فقط وما يهمني في ذلك كله أن الكتابة تحقق لي ذاتي.. في لحظة ما كتبت قصيدة شعرت بعدها بالارتياح تأكدت بيني وبين نفسي أن هذا ما أسعى إليه.. وكان عليَّ أن أعرف صدى هذا النوع من الشعر، فأرسلت قصيدتين واحدة إلى مجلة « النقاد» وكان الأديب سعيد الجزائري رحمه الله يشرف عليها.. وفي الوقت نفسه أرسلت قصيدة أخرى إلى مجلة « الأديب» البيروتية وانتظرت مترقباً الحكم عليهما وفي الأسبوع نفسه صدرت« النقاد» وبين موادها إحدى قصائدي منشورة بالطريقة التي كتبتها وفي مكان وحرف بارزين وفي الشهر نفسه أيضاً صدرت « الأديب» تحمل قصيدة لي وخصص لها الاستاذ الكبير المرحوم « ألبير أديب» صفحة كاملة وجاء ترتيبها الثانية بين القصائد التي ضمها العدد بعد هاتين الشهادتين ومالهما من قيمة أكملت مشواري بكل ثقة،ولكن دعيني ياعزيزتي أخبرك مرة ثانية بأني في كل ما كتبت لم أكن أسعى إلى تأسيس قصيدة النثر بالتالي وحتى هذه اللحظة لاأزال كما بدأت لاألتزم بأي شيء إلا التزامي بالشعر وحده.
وبالمناسبة أؤكد لك أن قصيدة النثر صيغة جديدة للقصيدة العربية ومن غير الممكن أن يتصور عاقل أن الشعر العربي كان وسيبقى إلى الأبد هو هو بنفس النمط والصيغ والايقاعات.. لذلك كان لابد من حدوث هذا التحول الذي قاده مبدعون حقيقيون وأصيلون جددوا في دماء وخلايا الشعر العربي. ابتعدت عن الوسط الأدبي ثلاثين عاماً في الاغتراب باعتقادك أن الحضور على الساحة الادبية الشعرية يحقق الجماهيرية أم أن الاسم المهم« كالماس لايحتاج إلى عملية صقل».. هل توقفت عن الكتابة كل هذه المدة؟ لم أتوقف عن الكتابة إنما توقفت عن النشر وابتعدت عن الوسط الأدبي لأسباب كثيرة ربما كان أقواه السعي وراء الرزق وتأمين متطلبات الحياة والانصراف إلى العمل الصحفي في الغربة بعيداً عن الوطن، فهل سمعت عندليباً أو عصفوراً يتوقف عن الغناء، الشاعر الأصيل الذي ينصرف عن الشعر ويتوقف عن كتابته يموت. وأنا لم أمت بعد قلبي لازال يخفق بالحزن والحب. ومازال يحلو له التسكع على أرصفة المواجع وهو يمتلىء بالمدن والحدائق والموانىء.. أنا
لم أغادر الشعر لكي أحن إليه كنت وسأبقى أمارس طقوس الشعر وشعائره تحت سقف هذا العالم،فالشعر عندي ينبوع يتدفق من ذاته والقصيدة تهبط كما يهبط الموت فجأة. الغربة.. الفقر.. التشرد وظلمة السجن هل تأتي مجتمعة لتخلق شاعراً.. وهل هي مقومات حالة خلق شعرية متفردة، بمعنى أن الشاعر مخلوق من معاناة وقسوة في الحياة وليس من لحم ودم؟ نحن جيل ولدنا مجبولين بالألم لأننا جيل العذاب والمرارة والقهر، أجنحتنا تكسرت قبل أن نطير.. أحلامنا تمزقت وضاعت قبل أن نظهر إلى النور والحياة مثلنا العليا، قيمنا تحطمت أمام أعيننا قبل أن تزهر، إضافة إلى أنني ابن قرية خرج منها مبكراً إلى المدينة ثم هناك عملي والظروف والمطاردات كانت تضطرني إلى السفر من مدينة لأخرى مما عمَّق شعوري وإحساسي بالغربة والتغرب وأحياناً باليأس والإحباط والسقوط في متاهات لابداية لها ولانهاية مع التمسك بقشرة من الأمل بأن هذا الليل الطويل سيكون له آخر.. وسيبزغ فجر الحياة الجديدة المتألقة بكل قيم الحق والخير والجمال، سعيد عقل ظاهرة فنية شاملة كيف تصيغه بكلماتك.. وهو مازال يحتفظ بمشاغبة الطفل في قلبه وعقله.. وكلما كبر ازداد توقداً فما الذي جُبِلَ به سعيد عقل ليكون « فلتة زمانه». سعيد عقل يشكل ظاهرة استثنائية فريدة، ولايمكن أن تتخيلي لبنان من دونه، فهو في عواميد بعلبك وفي جبيل، وقدموس.. ومدرسة بيروت الحقوقية.. إقرأي سعيد عقل تجدين أنه وطن، إنه لبنان بكل سحره وجماله وروعته.. فهو ليس شاعراً عملاقاً فحسب، بل مفكر وفيلسوف إنه..الأرز..والجبل.. والساحل.. وفي اعتقادي أن دورة الحياة عليها أن تدور ثلاثمئة سنة حتى تأتي برجل مثله.. ومن أجمل ما قاله سعيد عقل: أجمل من عينيك، حبي لعينيكِ فإن غنيت غنَّى الوجود.. كنتِ ببالي فاشتممت الشذى فيه ترى كنتِ ببال الورود.؟ وعيت على ديوان «آلام» لنديم محمد في الخمسينات، إلى أي مدى اقتربت من جزره المأهولة وغير المأهولة، عندما صدر ديوان « آلام» كنت في العشرين من عمري اقتنيت الديوان وقرأته مراراً، سحرني شعر نديم محمد، فأصبح الديوان رفيقي.. أعود إليه في كل وقت.. ثم تعرفت على نديم محمد في آواخر الخمسينات.. كانت وزارة الثقافة قد فرغته لكتابة الشعر وكنا نلتقي في الهافانا، فأعجبت بشخصيته وسعة اطلاعه وتواضعه الجم أقول بصدق إن نديم محمد شاعر فريد من نوعه وهو باعتقادي نصف إنسان ونصف إله في آن واحد، ذات يوم وصفت نزار قباني« أنه بائع نوفوتيه مهم» مع العلم أنه من أكثر الشعراء الذين أخذوا صدى واسعاً وحضوراً شعريّاً لامثيل له وقد كتبت في رثائه شيئاً جميلاً بماذا رثيته؟. عندما تأسست «جمعية العرب» في دمشق عام 8591-9591 كان نزار قباني وأنا من الأعضاء المؤسسين وكنا معاً في لجنة الشعر بالجمعية، حينما حصلنا على الترخيص لبدء عملنا، وكان من الداعين إلى تأسيس هذه الجمعية نفُر من الأدباء الشباب أذكر منهم: «زكريا تامر، محي الدين صبحي، عبد الله الشيتي، ياسين رفاعية، وأنا» ثم غادرت دمشق إلى بيروت وهناك أجرى معي المحرر الثقافي في جريدة «لسان الحال» حديثاً حول الأدب والشعر ومن الأسئلة التي طُرحت علي من قبل المحرر« وهو الآن مفكر كبير» مارأيك بـ« نزار قباني»؟ كان نزار شاعراً أنقياً وسيماً وارستقراطياً، وفي الستينات لم يتحدث عن المرأة، بل تحدث عن أشياء المرأة، عن إكسسوارات المرأة، مكياجها.. ثيابها، فكان ردي على سؤال المحرر« أن الشاعر نزار قباني، بائع نوفوتيه ناجح جداً» هذا الرأي تناقلته عدة صحف ومجلات لبنانية وعربية.. كما نقلت الحوار بكامله مجلة «الأديب» وللمناسبة أذكر أني سألت الشاعر الكبير بدوي الجبل في السبعينات ما رأيك بنزار قباني، فكان جوابه:« كان والده رفيقاً لنا في الكتلة الوطنية» وهذا الكلام موثق ومنشور، ولكن هذا لايعني أنَّ نزار ليس شاعراً كبيراً، بل شاعر فريد خاصة عندما خاض في كل الميادين وطرق كل أبواب الشعر والحياة، وهذا ما دعاني إلى رثائه يوم وفاته بكلمة قلت فيها:« فجأة، من دون مقدمات ولاوداعات رحل نزار قباني وهو في أوج نضجه وتألقه.. مات الشاعر الذي سحر بحضوره أجيالاً متعاقبة منذ الأربعينات، هكذا سكتت حنجرة المغرد الدمشقي الكبير، وصمت ذلك الخافق الذي ملأ الدنيا العربية شعراً وحباً وعطراً دمشقياً تقَّطر على مدى سبعين سنة قصائد كأنها أشجار الياسمين الشامية، لكنها اختارت أن تعِّرش في العقول وفي القلوب بدلاً من باحات وأسوار وحيطان المنازل، ولنزار قباني خلطة سحرية عجيبة تتميز بأناقة وبساطة نادرتي المثال.. هو أعطى الشعر هوية خاصة وأعطاه كذلك لغة وعبارة وكلمة مغايرة وأعطى لكل هذا جواز مرور يمنحه حق الدخول إلى كل الأذواق وكل الناس وكل الشعراء مهما كانت مستوياتهم، فما من عربي إلا وطرب لإيقاعاته وما من عربي إلا وعشق طريقته في الرسم بالكلمات، فالشاعر تحول بقدرة الإبداع إلى رمز عربي لكل القراء العرب وتحول إلى ضمير لكل العاشقين، لقد رحل نزار قباني وهو يحمل على كتفيه تاريخه الشعري العريض، ذلك التاريخ كشف عمق تغلغله في القاعدة والقمة وعمق انتشاره في كل الاتجاهات والضمائر، نزار قباني في حياته وفي موته أكد عظمة الشعر وقدرته على اختراق كل الحواجز وكل الأسوار وكل القلاع والحصون.. نزار أكد كبرياء الشعر وعنفوانه بالألفة والحضور الدافىء الذكي، فوداعاً نزار أيها المغرد الكبير الأصيل النادر الذي ملأ دنيا العرب نثراً وشعراً وحباً و موسيقا على مدى سبعين عاماً من الخصوبة والعطاء.. وداعاً مقام العشق». قديماً كان للشعراء الحظوة الأكبر في بلاطات الأمراء والسلاطين، الشعر كان يمجد الملوك ويخترق الآفاق ببطولاتهم ومآثرهم «مديحاً أم هجاءً» والآن في عصرنا نجد أن الشعر أصبح «هماً» إضافة للظلم الواقع عليه، هل ننصف الشعر الآن« شعراء ومتلقين» وكيف برأيك إنصافه؟، عندما أعطى الخليفة عمر بن الخطاب ثلاثة آلاف دينار للحطيئة شرط أن يتوقف عن الهجاء قال له الحطيئة: إذا تركت الهجاء يموت أطفالي من الجوع» إذاً كان الشعر مهنة يتكسب بها السعراء مدحاً أم هجاء.. وكان الملوك والسلاطين والأمراء بحاجة إلى هؤلاء الشعراء ليمجدوهم ويمجدوا أعمالهم وإنجازاتهم أيام الحرب والسلم، أما أنَّ الشعر« همٌ» فهذا صحيح، لكن كيف ننصفه وبأي طريقة.. والعرب دخلوا الألفية الثالثة بمئة وعشرين مليون أمي!! عندما نمحي الأمية ويتحول الشعب العربي إلى شعب قارىء.. عند ذلك يمكن للشاعر الأصيل أن يجد بين العرب بضعة آلاف يقرؤونه ويتداولون كتبه وأشعاره وبهذا يجد الشاعر الإنصاف الذي يرتجيه، من مجموعته« أحزان القمر الأخضر» نقتطف : قلب بلا حب خاصرة مطعونة بخنجر في الصيف يفيض الكون بالمسرة في الخريف تمور الدروب بالحزن المتألق.. وبين الصيف والخريف رصيف صغير يُعبر ولايُرى، ومن «أوراق جريحة»: لولا بقية من أمل لولا شمعة لم تنطفىء بعد لذبحتك أيها العصفور الصغير ياقلبي.. وألقيتك في البرية الواسعة طعاماً للذئاب الكاسرة والطيور الجارحة.. بطــــــــــــــاقة : الياس الفاضل- مرمريتا 3391 خريج كلية الحقوق- جامعة دمشق له: المجموعة الكاملة التي تتضمن / أحزان القمر الأخضر- تحت سما آسيا 0691- 0791/ عمل بالصحافة.. والإذاعة.. والتدريس عمل مراقباً للنصوص في الإذاعة والتلفزيون 5791 سكرتير تحرير مجلة الثقافة الأسبوعية 5791 غادر إلى الكويت وعمل محرراً في صحيفة الأنباء -سكرتير تحرير مجلة «المجالس» -سكرتير تحرير مجلة «القبس» ونائب مدير تحرير «الرأي العام» في دمشق ، عضو مؤسس لجمعية الادباء العرب 8591 عضو مؤسس في اتحاد الكتاب العرب عضو اتحاد الصحفيين العرب، عضو في جمعية الصحفيين الكويتين.. تُرجمت بعض قصائده الى الفرنسية والإنكليزية والإسبانية ..

العدد 1211 – 29 – 10 -2024 

آخر الأخبار
وزير الطوارئ يتفقد مواقع الحرائق ويشيد بجهود الفرق الميدانية   500 سلة إغاثية لمتضرري الحرائق باللاذقية  السويداء على فوهة البندقية.. سلاح بلا رقيب ومجتمع في خطر  دمشق وأبو ظبي  .. مسار ناضج من التعاون الثنائي الحرائق تتمدد نحو محمية غابات الفرنلق.. وفرق الإطفاء تبذل جهوداً جبارة لإخمادها امتحانات البكالوريا بين فخ التوقعات والاجتهاد الحقيقي "لمسة شفا" تقدّم خدماتها الصحية والأدوية مجاناً بدرعا مشاريع خدمية بالقنيطرة لرفع كفاءة شبكة الطرق تطويرالمهارات الإدارية وتعزيز الأداء المهني بعد تدخل أردني وتركي..الأمم المتحدة تدعو لدعم دولي عاجل لإخماد حرائق اللاذقية متابعة التحضيرات النهائية لانطلاق امتحانات "الثانوية" في ريف دمشق الخبير قوشجي لـ"الثورة": الأمن السيبراني أساس متين في التوجه نحو الاقتصاد الذكي "التربية" تتابع تصحيح أوراق الامتحانات في إدلب هل نستعد؟.. مهن ستنقرض في سوريا بسبب التكنولوجيا خطوة نحو إنجاز المشاريع.. نمذجة معلومات البناء وتطبيق التكنولوجيا الرقمية باراك: العالم كله يدعم سوريا رفع العقوبات وانعكاسه على مستقبل قطاع الطاقة في سوريا سحب مياه معدنية غير صالحة للاستهلاك من أسواق دير الزور الحرائق في سوريا ترسم صورة نادرة لتفاني رجال الإطفاء والدفاع المدني إعادة إعمار سوريا.. تحديات هائلة تعوق الانطلاق خبير عقاري لـ"الثورة" تكاليف فلكية إلى جانب غياب قنوا...