“لأجل دمشق نتحاور”.. المواطنون بين منتقد لغياب شفافية الاختيار ومؤيد لتفاهمات مشتركة مع المجتمع المحلي
الثورة – دمشق – ثورة زينية:
اعتبار آراء ومقترحات المحاورين “مفتاحاً لتحقيق تنمية مستدامة تلبي احتياجات جميع أفراد المجتمع والأجيال القادمة وصولاً إلى رؤى تنموية صحيحة خدمة للمصلحة العامة”، الغاية المعلنة من المبادرة الأولى من نوعها في إطار اللامركزية الإدارية، وانطلاقاً من مبدأ: كل “مواطن مسؤول” وتحت عنوان “لأجل دمشق نتحاور” كانت محافظة دمشق أعلنت بداية أيلول المنصرم إقامة جلسات حوارية تشاركية، تهدف للتعرف على آراء ومقترحات أهالي المدينة حول المشروعات والخدمات اللازمة لتنمية الأحياء وتطويرها.
وذكرت المحافظة في بيان كانت نشرته على موقعها الالكتروني أن المحافظة تعمل على جعل هذه الجلسات فرصة قيّمة للجميع، بهدف المساهمة الفاعلة في رسم مستقبلنا، لإيمانها المُطلق بأهمية آراء ومقترحات المجتمع المحلي، كونها المفتاح لتحقيق تنمية مستدامة تلبي احتياجات جميع أفراد مجتمعنا وأجيالنا القادمة.
وللمشاركة وضعت المحافظة رابطاً لتعبئة استمارة تتضمن مجموعة من البيانات الخاصة بالراغبين للمشاركة في الحوار المزمع، والتي يتم على أساسها تحديد المحاورين المستهدفين للتواصل معهم لاحقاً من قبل المحافظة، لتحديد مكان وزمان جلسات الحوار، وفي كل جلسة من الجلسات الأربع التي جرت حتى الآن في مناطق الشعلان وكفرسوسة والميدان ودمشق القديمة كان يتم اختيار حوالى 150 مواطناً من قاطني وأهالي تلك الأحياء والمناطق للمشاركة في تلك الجلسات.
– المواطن.. بوصلة عمل الحكومة..
محافظ دمشق المهندس محمد طارق كريشاتي كان أشار في تصريح سابق خلال انطلاق الجلسة الأولى من مبادرة “لأجل دمشق نتحاور” إلى ضرورة تنفيذ رؤية المجتمع الأهلي، وانبثاق جلسات الحوار من توجيهات السيد الرئيس بشار الأسد، عبر تأكيده دوماً أن المواطن هو بوصلة عمل الحكومة، لذا من الضرورة معرفة أولويات المجتمع الأهلي بالمشروعات التي نعمل عليها، على اعتبار أن المجالس المحلية هي صلة الوصل بين المواطنين والحكومة ضمن مبادرة هي الأولى من نوعها في إطار اللامركزية الإدارية.
ودعا بالوقت ذاته للمشاركة في هذه الجلسات الحوارية بروح عالية من المسؤولية والالتزام وصولاً إلى رؤى تنموية صحيحة خدمة للمصلحة العامة، من خلال نقاشات هادفة إلى إيصال أصوات المواطنين وطلباتهم ومقترحاتهم وإشراكهم في صنع القرار عبر أسئلة تفاعلية أو من خلال استخدام أدوات حوار تفاعلية، وباستخدام تقنيات إلكترونية سيتم عرض المشروعات والتصويت عليها، بهدف إشراك المجتمع المحلي وأخذ أصواته.
– تفاهمات مشتركة..
يعرف الحوار عادة كمفهوم عام على أنه أداة تواصل وتفاهم قائمة على حسن الاستماع والاحترام المتبادل بين أطرافه، ويساعد على حل الخلافات عبر الانفتاح والشفافية، وصولاً إلى تفاهمات مشتركة يبنى عليها علاقات إيجابية مستدامة، تستفيد منها جميع أطرافه من خلال تعاونها المشترك، ومن جملة ما يتطلبه الحوار وتفرضه غاياته وأهدافه، بالإضافة إلى الاعتراف بالمشكلات والخلافات كخطوة أولى لابد منها، القدرة على التنازل المتبادل بين أطرافه للوصول إلى حلول توافقية لبعض الخلافات.
فهل ينطبق هذا المفهوم العام على الحوار الذي دعت إليه المحافظة مع أهاليه وسكان دمشق، ضمن مبادرة “لأجل دمشق نتحاور”؟، وهل الغاية من الحوار الذي دعت إليه المحافظة إعادة التعريف بواجباتها وحدود مسؤولياتها، أم هو لتبرير التقصير في بعض المواقع أم لفرض سياسات وآليات عمل ومشاريع قادمة، أم إن الأمر لا يعدو كونه نشاطاً تسويقياً وترويجياً للمحافظة؟ أم إنه بالفعل خطوة جادة لإعادة فتح صفحة جديدة في إستراتيجية التعامل مع المواطنين بالتعرف على رؤاهم حول المشروعات والخدمات اللازمة لتنمية أحيائهم وتطويرها ووضع كل من محافظة دمشق والمجتمع المحلي كلا أمام مسؤولياته؟.
صحيفة “الثورة” وللوقوف على حقيقة آراء المواطنين حول هذه المبادرة التقت عدداً منهم، فتراوحت آراؤهم بين منتقد ومؤيد.
– غياب الشفافية..
المواطن فايز زنبركجي من حي الميدان، اعتبر أن أولى الملاحظات هي غياب الشفافية المفترضة، مضيفاً: “فالمعلومة المتعلقة باختيار المشاركين مغيبة ولا نعلم كيفية اختيار من حضر الجلسة باسم الأهالي، فالتسجيل عبر الرابط الذي أتاحته المحافظة لهذه الغاية لا يوفر هذه المعلومة”.
فيما أشارت راما وردة- من حي التضامن، إلى أن القضايا الخدمية نالت درجة أقل من الأهمية المتوقعة- حسب ما ورد إليها ممن حضر تلك الجلسات، لكن من الناحية العملية كانت الجلسات الحوارية بالدرجة الأولى عن تسويق وعرض لمشاريع المحافظة، وأخذ مشروع نفق المجتهد- باب مصلى الحيز الأكبر منها، ولاسيما في الجلسة الأولى التي شكل محورها الوحيد الذي سلط الضوء عليه، والمبلغ الكبير الذي يجب تأمينه لإنجازه، إضافة لمشروع إعادة تأهيل لجسر الرئيس.
وأضافت وردة: “ما ورد في كلامي ليس فيه انتقاص من أهمية مشروع نفق المجتهد المزمع إنجازه من قبل المحافظة مع بداية العام القادم، لكن هذا المشروع موضوع في خطة المحافظة وموافق عليه من مكتبها التنفيذي سلفاً، وسبق أن تم الإعلان عنه منذ عدة أشهر، وبالتالي فإن وضعه كمحور للتحاور فيه مع الأهالي لن يقدم ولن يؤخر”.
– غياب الكثير من العناوين الخدمية..
محمد الجندي- صاحب محل تجاري في باب سريجة: صراحة ومن خلال متابعتي لما يرشح عن الجلسات، فهناك غياب الكثير من العناوين التي تمس حياة المواطنين اليومية، ولم نشهد على موقع المحافظة الرسمي ما تم التوصل إليه من نتائج على ضوء الحوار مع الأهالي، فلا قرارات أو توصيات باسم المشاركين في الحوار لتشجيعهم على الاستمرار في مواصلة الحوار، بل فقط بعض الروابط لوسائل الإعلام التي تناولت غالباً الجلسات بشكل تقريري.
عضو في مجلس محافظة دمشق اعتذر عن ذكر اسمه، اعتبر أن الوقت الأكبر من تلك الجلسات استهلكه عرض مشاريع وخطط المحافظة، وغابت الرؤى والمقترحات عن معظم الجلسات، بينما معظم المواضيع الخدمية التي طرحت من قبل المحاورين هي نفسها التي تطرح دائما في اجتماعات مجلس المحافظة الدوري، متسائلاً: ماذا عن ممثلي الأحياء المنتخبين ودورهم، هل هم مغيبون عن أدوارهم ومهامهم في المجالس المحلية والمكتب التنفيذي للمحافظة ليعاد طرح نفس المشكلات والقضايا في هذه الجلسات؟.
– إشراك المجتمع المحلي..
عضو مجلس محافظة دمشق المهندس نضال هيلم، اعتبر أن هذه المبادرة خطوة هامة لإشراك المجتمع المحلي والأهالي في القرارات والاستماع إلى آرائهم وطروحاتهم في العديد من الموضوعات، بما ينعكس على تحسين واقع دمشق من خلال الإدلاء بآرائهم حول مشاريع المحافظة، وتفادي العديد من العقبات التي اعترضت تنفيذ بعض الخطط والمشاريع نتيجة لتجاهل مساهمة المجتمع المحلي بالرأي حول المشاريع التي تخدم الأحياء في العاصمة الأقدم في التاريخ.
المهندس ربيع جمعة- من سكان كفرسوسة، أيد وجود مثل هذه المبادرات بشكلها الحالي كونها تفتح تواصلاً بين المواطن والمسؤول غاب طويلاً وساهم في تراكم المشكلات التي تعانيها مدينة دمشق بسبب تجاهل المجتمع المحلي في غالب الخطط والمشروعات والاعتماد على رؤى فردية لبعض الأشخاص الذين يتواجدون في مراكز القرار.
– كلمة المحرر..
على الرغم من الملاحظات والانتقادات الموجهة لمبادرة “لأجل دمشق نتحاور” والتي وضعت المسؤول والمواطن على “بساط أحمدي”، إلا أنها أعادت إلى الواجهة مجدداً طرح العديد من القضايا العالقة بلا حلول منذ أعوام طويلة من خلال تلك الحوارات المباشرة مع المواطن من دون وسيط، واتخاذ قرارات نهائية بشان إيجاد حلول لبعضها، الأمر الذي يفتح أبواب الأمل أمام المواطن في العاصمة دمشق للتواصل مع المعنيين، بشأن حل الكثير من المشكلات وتجاوز العراقيل والوصول إلى تفاهمات مشتركة يبنى عليها علاقات إيجابية مستدامة بين المجتمع المحلي والجهات المعنية، للوصول إلى رؤى تنموية خدمة للمصلحة العامة.