الثورة – تحقيق علا محمد :
في عالم اليوم، تتزايد التحديات الاجتماعية التي تؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات بشكل متزايد، ومن بينها السموم الاجتماعية أحد أبرز المشكلات، وتشير إلى الممارسات السلبية مثل العنف والتمييز، وانعدام الثقة وكل ما يهدد التماسك الاجتماعي ويعزز الفجوات بين الأفراد.
إن فهم جذور هذه السموم الاجتماعية وكيفية التعامل معها يعد أمراً بالغ الأهمية لمساعدة المجتمعات على تحسين مستوى الحياة وتعزيز القيم الإنسانية، الأمر الذي دفعنا للقاء الباحثة الاجتماعية أسمهان زهيرة التي أشارت في حديثها لـ «الثورة» إلى وجود المشكلات الاجتماعية في كل مجتمع سواء من ناحية التفكك الأسري، وفاة أحد الوالدين، الفقر والبطالة وغيرها.
هذه المشكلات نتج عنها ما يمكن تسميتها «بالسموم الاجتماعية» التي نجدها بالألعاب الإلكترونية والمراهنات والإدمان على الكحول والتدخين ومؤخراً يُلاحظ وبشكل واضح أكثر ظواهر السموم الاجتماعية انتشاراً كالتنمر، والتقليل من شأن الآخرين والضرب بسمعتهم، كل ذلك يصنف ضمن أشكال العنف النفسي الذي نجده بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي (فيس بوك وغيره) أي من خلف الشاشة وبين الأطفال والطلبة ورفاق الحي.
اكتساب السلوك
وأشارت الدكتورة زهيرة الى أن هناك أسباباً كثيرة أوجدت هذه الظواهر السامة منها البعد الأسري داخل الأسرة أي بدون أحاديث بين الآباء والأبناء أو حتى الإخوة، وهناك أسباب تعود إلى اكتساب السلوك العدواني من داخل المنزل أو الأسرة أو تقليد لما يُشاهد عبر وسائل الإعلام، ومن الممكن أيضاً أن يكون ضمن الأسباب، الشعور بالتجاهل في المنزل أو المعاناة من علاقة سلبية بين الوالدين، كذلك الشعور بالضعف والعجز نتيجة الحماية المفرطة من الأهل ما يدفع البعض للبحث عن طرق أخرى لاكتساب القوة وممارسة السيطرة على الآخرين.
وتابعت زهيرة إن التقليل من قيمة الآخرين من خلال النظرة الدونية وإهانتهم بشكل مستمر نجده بشكل كبير تجاه من أثبتوا نجاحهم، ويحاول البعض محاربتهم والتشكيك في إمكانياتهم ومهاراتهم سواء بالعمل أم بالمدرسة أم الجامعة، وهذا يعود لسوء التنشئة التي لم تزرع حب المنافسة البناءة واحترام تقدم ونجاح وتطور الآخرين ما يؤدي لنشر العدوانية والكراهية وحب الذات وإحداث خلل في بيئة النظام الاجتماعي
الموروثات الاجتماعية
ومن وجهة نظر الباحثة الاجتماعية زهيرة فإن الثقافة والموروثات الإجتماعية من عادات وتقاليد متوارثة عبر الأجيال تحمل بجانبها الأكبر كل المعاني الإيجابية والمدلولات البناءة اجتماعياً على مستوى المجتمع عامة والأسرة خاصة، ولكن دخول التقنيات الحديثة التي كان من المفروض استخدامها وتوظيفها بالجانب الإيجابي للتطوير وتنمية الذات، تم استخدامها بطرق سلبية كونه لا توجد توعية بمخاطرها على جميع الصعد، وهنا نوّهت بأهمية دور الدعم والتوعية الاجتماعية على نطاق المجتمع كله سواء في المجتمع المحلي أم المؤسسات الحكومية وخاصة نطاق التعليم وذلك بتبني نشر الثقافة الإلكترونية الإيجابية والاستفادة منها بهدف تطوير التعليم وتنمية المقدرات وتعزيز التفكير البناء من خلال دعم الأقران باستهداف الفئات بكل الأعمار ومنهم ما يرغبون به ويطمحون إليه من وسائل التواصل الاجتماعي مع التوضيح لدورها السلبي والإيجابي في حياتنا.
الأسرة والمجتمع
وأكدت زهيرة على الدور الأبرز والمؤثر للأسرة والذي ننطلق منه إلى المجتمع كله إذ يجب تعزيز روح التعاون داخلها بجلوس أفراد الأسرة بعضهم مع بعض دون استخدام الموبايلات ومناقشة ما مروا به بالحوار البناء الإيجابي وتفعيل النقاشات التي هدفها التوصل إلى مفاهيم اجتماعية تحمل بين طياتها المحبة والاحترام، وفي المجتمع يجب أن تتضافر الجهود المحلية المجتمعية عبر مؤسساته كافة بنشر التوعية وتعزيز الترابط الاجتماعي عبر ندوات توعوية تثقيفية كما يجب تفعيل دور الإعلام بوسائله المقروءة والمسموعة والمرئية وإحداث منصات هدفها مناقشة المشكلات التي يعاني منها هذا الجيل والعمل سويةً لحلها.
شعور غير مريح
هذه الممارسات والظواهر التي نمر بها جميعاً في المجتمع لا بد لها من التأثير السلبي على صحتنا النفسية لذلك كان من الضروري فهم ماهية هذا التأثير لمعرفة كيفية تفاديه أو التعامل معه والتخفيف من أثره، كل ذلك أوضحته اختصاصية الإرشاد النفسي هناء محمد لـ«الثورة» التي اعتبرت أن السموم الاجتماعية هي كل ما يجلب شعوراً غير مريح، ويصدر عنه مشاعر الانزعاج والضيق والألم، فالسموم الاجتماعية هي الكلمات السامة المحبطة لكل ما نقوم به، سامةٌ بمعنى الكلمة تتضمن عبارات محبطة من تنمر وسخرية، وهي أيضاً كل ما يقوم بإعاقة تقدم الفرد ومسيرته في أي مجال كان في الحياة، فالمتأثر بهذه السموم يجد نفسه واقفاً في مكانه بلا تقدم ولا نجاح، تسكنه العبارات السامة (مقارنة، لا تستطيع، أنت أحمق، غبي) كما يدخل في حالة من الانسحاب من العلاقات الاجتماعية وتبدو عليه علامات الحزن والعجز وربما كثيراً ما يدخل في أعراض الاكتئاب.
تفادي تأثير السموم
وعن كيفية تفادي تأثير السموم الاجتماعية المحيطة بنا تقول محمد: إنه لسؤالٌ مهم جداً له تطبيق وإجراء عملي أي أن نطبق ما نحن مقتنعون به وليس ما يراه الناس المحبطون عنا، ثانياً والأهم «الثقة بالنفس» وهي تعود لتربية الطفل وتنمية شخصيته منذ الطفولة مع ما يرافقها من احترام وتقدير للذات وللآخرين إضافة لتشجيع الطفل على إبداء الرأي والسماح له بأن يعيش التجربة سواء أكانت تجربة ناجحة أم مخفقة، فليس بالضرورة أن نكون دائماً في المقدمة لكن يمكن في المحاولات المقبلة أن نكون الأفضل.
وأكثر ما يساعدنا على تفادي السموم هو حسن اختيار الأصدقاء الذين يجمعنا بهم تقارب فكري واهتمامات مشتركة، ولا ننسى الحديث الإيجابي مع الذات بعبارات إيجابية نبدأ بها نهارنا كـ «أريد المحاولة وسوف أنجح، أنا قادر، أنا جميلة، ما أعاني منه اليوم سوف ينتهي» مع تجنب مقارنة أنفسنا مع الآخرين فالمقارنة هي لص الفرح.
تخفيف الأثر
تجد المرشدة النفسية محمد أن إخبارنا أي أمر للشخص الخطأ سيكون سبباً في زيادة إحباطاتنا وآلامنا لذلك بما أن كل شخص يعلم ما نقاط ضعفه وقوته فعليه كشفها والعمل على تطوير الإيجابي منها ومواجهة نفسه في نقاط الضعف لتحويلها شيئاً فشيئاً لمصدر قوة تساعده على تحقيق طموحاته وليس دوامة إعاقتها، إضافة إلى أن ممارسة الهوايات كالرياضة والموسيقا والرسم تساعد على الخروج من دوامة ودائرة الأشخاص السامين المحبطين في محيطنا.