عبد الحميد غانم:
كثير من الأشعار والقصائد والروايات الأدبية والسياسية خطها عشرات الكتاب والأدباء الذين عايشوا عذابات سجن صيدنايا، وكتب بعضهم أولى تلك الأشعار بمداد الدم الذي سال من دمه أو دماء رفاقه في هذا السجن.
جدران هذا السجن اللعين المرعب بأصوات المعذبين كانت تنوح في ظلماته وعتماته، والكلمات المحبوسة التي يخطها السجين على جدران السجن كانت أداة توثيق إجرام النظام البائد.
لقد وضعت كلمات في خيارات معجمية واستعارية محدودة قبل أن تطلق في فجر يوم الثامن من كانون الأول إلى الفضاء الرحب لتصل إلى مشاهد وآذان الناس أن “سورية ولدت من جديد”.
لا يستطيع قارئ شعر وأدب سجن صيدنايا إبعاد توصيفٍ تلك العذابات التي لا تصور ولا يصدقها السامع من أدوات التنكيل لإنسان رفض سياسات نظام مجرم وفاسد.
وهو يتجول بين القصائد التي يمكن القول إنها تنتمي إلى زمن أقدم من لحظة كتابتها. لا نتحدث هنا عن المعاني والموضوعات، بل عن النبرة والمعجم.
رغم أن السجن أراد أن يعطّل فرصة الكاتب أو الشاعر أو أي صاحب رأي للتعبير عن حريته، ولم يترك له سوى أن يبرع في تأريخ آلامه التي يحاول أن يعممها على مساحة بلاده، ونقلها بالإيماء أو الإشارة أو بالكلمة، لكنها كانت صوراً حقيقية للموت والجنون، واحتياطياً هائلاً من الدمع والخراب من السجون والكوابيس، وكشفاً للمجازر المجانية وأحياناً بسعر الكلفة.. ماراثون للذل والدجل، والأوسمة المبطنة بالهزائم يقوم بها جلادون ومشعوذون وسماسرة.
الكل رحل وبقي مداد الدم ليروي لنا عذابات مرعبة خلف القضبان، ويكشف صوراً لا أخلاقية إضافية للنظام البائد، كان سجن صيدنايا يخفيها عن العالم.