الثورة – حسين صقر:
معروف أن الإصلاح والصلح سادة الأحكام، ولا يتحققان إلا باحترام العقل والمنطق، وهما بذات الوقت يحققان العدالتين الاجتماعية والقانونية.
ومعروف أيضاً أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية، يتوسم فيها الناس خيراً بعد سقوط نظام الأسد المجرم، وقدوم قيادة جديدة تعمل على إزالة الظلم الذي جثم على صدورهم مايزيد عن الخمسين عاماً، وهو ما تسعى له بجهود مكثفة وحثيثة.
فعندما يصاب الإنسان بالغرور، لا يصبح أعمى وحسب، بل أصماً أيضاً، إذ يغيب العقل وتصبح الغريزة الآمر الناهي والمسيطر، وفجأة يرى كل الناس أعداء له من دون أي سبب، فلا يرى سوى نفسه وأوهامه، ولا يصدق سوى ما تمليه عليه تلك الغرائز والأهواء، وهنا يبدأ الضّرر على الذات وعلى الآخرين وحتى على البلاد، وتبدأ مشكلاته مع من حوله، وهنا لابد من إصلاح ذات البين.
وفي هذا الشأن يقول المرشد الاجتماعي شاهر مخول: مجتمعنا أفراد وجماعات يعرف حالات شتى من الألفة والتباعد، ومن الصداقة والعداء، نتيجة سوء تفاهم هنا أو هناك، وأحياناً نتيجة بعض الممارسات الفردية لبعض الأشخاص الذين سيطرت عليهم أهواؤهم وتغلبت عليهم نزعة الأنا.
وأضاف: في الفترات الصعبة من حياة الناس، ومنها حالات النزاع والاقتتال والمشاجرات، تتراجع قيم الألفة والصداقة والتسامح، وتنمو مظاهر أخرى، وعدم قبول رأي الغير، وتتراجع قيمة التفكير العقلاني أمام الإحساس القوة، ولا تسمع من هذا الشخص أو ذاك إلا حقوقه فقط، أما الواجبات فتصبح طي النسيان.
الصلح سيد الأحكام
وقال: نحن كسوريين تحكمنا مجموعة من المشاعر الطيبة، والمعاملة الحسنة، والقوة هي أن يعترف الإنسان بأخطائه، ويدعو لإصلاحها، ويعلم تماماً أن العامل الأهم في رقي الأمم هو الاستقرار والهدوء والتآلف، والتوازن.
وأضاف: إن الخلافات مهما طالت سوف يحتكم فيها الناس للعقلاء والمصالحين، وإلا اختاروا العيش بمفردهم يكفون حالهم وأحوالهم في أفراحهم وأتراحهم، لأن جميع النزاعات انتهت على طاولة المفاوضات، وفي اللقاءات، وهذا موروث فكري جاء خلاصة تجارب وخبرات الآخرين.
وهذا ليس من قبيل الفزلكة اللفظية أو فلسفة الأمور، لأننا نجد دائماً أن الأساس في بناء الحضارات البشرية، هو قوة العقل البشري، والإبداع، والاستقرار، وأن تعيش جميع مكونات الناس بانسجام مع بعضها، وأن يديروا الاختلاف بينهم بطريقة حضارية، عملاً بالأمثال، لأنها أكثر مظاهر الحياة انتشاراً وترمي إلى دلالات شاملة لمعتقدات جميع الشعوب على حدٍ سواء، وأحدها الصلح سيد الأحكام، حيث تعد الأعراف الاجتماعية في حل النزاع والعداوة بين الناس، قوة لا تقوى عليها المحاكم ولا القوانين، وذلك ضمن ضوابط اجتماعية وقانونية ذات طابع نفسي لدى الناس فيعلن مبدأ الاتفاق على الجميع ويتم تحديد تاريخ ومكان الإجراءات، لإنهاء الحادثة بأكملها.
قادة الرأي
وأوضح مخول أن الناس اعتادوا اللجوء إلى قادة الرأي والوجهاء بينهم، للتوسط في حل تلك المشكلات ووضع نهاية لها مهما حملت تلك الخلافات في طياتها، وذلك تفادياً لردات الفعل، والتي فيما لو بدأت لا أحد يعرف كيف تنتهي، والأمثلة على التصالح كثيرة، حيث يخرج الجميع منتصرين ومجبوري الخواطر وقد حصلوا على حقوقهم المادية والمعنوية، لأن الثأر والتربص بالآخرين لن يجلب سوى المزيد من الألم والمتاعب، ولاسيما أن القانونين الاجتماعي والتشريعي فوق الجميع، وسوف يتحمل المتسبب المسوؤلية حيال المشكلة الحاصلة.
بالنتيجة.. للصلح أهمية كبيرة في المجتمع لما له من دور كبير في تقويم أخلاق الإنسان وهو أحد أسباب النجاح والفلاح في الحياة، كما له أهداف إيجابية سواء أكانت نفسية أم اجتماعية أم تربوية، لكن ضمن ضوابط يجب النظر فيها.
#صحيفة- الثورة