الثورة – رفاه الدروبي:
بدأت الباحثة والمُتخصِّصة في مجال تاريخ الفن والعمارة الإسلامية الدكتورة هلا قصقص رحلتها مع البحث العلمي باستلهام النماذج الناجحة في تاريخ سوريا، لذا عمَّقت معرفتها المحدودة بحضارات ما قبل الإسلام، عندما اجتهدت في جمع المعلومات الواسعة، فتوصَّلت إلى عظمة الحضارات المارَّة على سوريا، ثم أبرزتها في جلسة تفاعليَّة عنوانها: “نحو سوريا جديدة الهوية والتراث والبحث العلمي لبناء المستقبل” في ثقافي كفرسوسة.
الدكتورة قصقص أكَّدت خلال حديثها على ضرورة تطوير مناهج التاريخ في المدارس، ومدى أهمية تعريف الجيل الصاعد بها، كي يعوا جذورهم للنهوض بالوطن، وتقديم التاريخ بطريقة جديدة والتذكير بالحضارات السورية، باعتبارها إرثاً عامراً بالتجارب الناجحة عبر آلاف السنين كممالك: “ماري، إيبلا، تدمر، أوغاريت، العصر الأموي، نور الدين زنكي”، وربط التاريخ بالحاضر فكلّ حقبة من تاريخنا تحمل أمثلة عن كيفية تقدير حضارتنا وأهمية تجاوز التحديات الكبيرة مثل: العمل على عدم بناء أنظمة متطورة، أو ترك بصمة عالمية، وإغفال توثيق التجارب أو الاستفادة منها بشكل كافٍ، ذاكرةً أنَّ استلهام التجارب التاريخية لإعادة الإعمار يبدأ بالانطلاق من طبيعة تاريخنا المتجذِّر في بيئته وهويته، وكأنَّنا لسنا بحاجة إلى تجارب جاهزة من الخارج كتجرية أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لصعوبة تطبيقها في بلادنا، ما يستوجب العودة إلى تاريخنا المليئ بالتجارب الناجحة في مواجهة الأزمات، والتركيز على توحيد المجتمع وعودة الزراعات، والصناعات الحرفية، والبحث عن حلول تتناسب مع الهوية السورية بدلاً من فرض نموذج غربي لا يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الاجتماعية والثقافية المستوحاة من الهوية الوطنية.
كما أشارت الدكتور هلا إلى أنَّ الحرفي السوري أثبت مدى إتقانه وتأثيره العالمي عبر التاريخ مَنْ بنوا أهمَّ المعالم التاريخية لأنَّ الحرف اليدوية ليست مجرد هوية ثقافية؛ بل باعتبارها ساهمت في تشكيل الهوية المعمارية، ومنهم: أبولودور الدمشقي باني عمود ترجان وجسر الدانوب، كذلك هاجر العديد من حرفيي الأندلس بعد سقوط غرناطة عام ١٤٩٢م إلى المغرب ذوي الأصول السورية، إذ أثروا بشكل مباشر الفنون والحرف المغربية، وظهر أبرزها في نقل تقنيات صناعة الفسيفساء الملوَّن، كما ساهم في ازدهار الفن في فاس ومراكش، وتطوير الخط العربي المغربي، بإضافة تأثيرات من الخط الكوفي الدمشقي واستمرار إنتاج الأقمشة الفاخرة والزخرفة الخشبية المستوحاة من التصاميم الدمشقية، متابعةً حديثها عن دور العرب في فلورنسا وسمرقند، حيث رأت أنَّ هناك خطراً يواجه الحرف اليدوية بسبب غياب التمويل، وقلة الاهتمام بالقطاع ذاته، وعدم وجود حماية للمنتجات الحرفية، وانتشار المنتجات المقلدة والمستوردة، ثم تراجع القطاع السياحي، مُشدِّدةً على ضرورة تنشيط الحرف اليدوية لأنَّها ليست تراثاً فحسب بل اقتصاد متكامل، وتوفِّر فرص العمل للشباب وتدعم الهوية السورية.
#صحيفة_الثورة