الثورة – ديب علي حسن:
تجربة الشاعر والناقد نزار بريك هنيدي غنية عن التعريف، فله مكانة عالية في ذلك.. جديده كتاب “ظواهر وتجارب في الشعر العربي الحديث” صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وكان الزميل عمار النعمة قد توقف عند الكتاب بمادة جميلة.
لكنني أريد أن أتكئ على الكتاب للحديث عن عنوان مهم فيه (طالب الثانوية يحاور بدوي الجبل).
والمقصود به الشاعر بريك هنيدي الذي كان يصدر وهو في المرحلة الثانوية مجلة جميلة ناضجة تحت عنوان ( الواحة)، وقد ذكرني ذلك بمجلة صحائف بني حمدان التي كانت يصدرها طلاب ثانوية في حلب منتصف القرن الماضي منهم الراحلان: عمر الدقاق وعصام الزعيم.
وكذلك مجلة الطالب العربي التي كان من أعلامها الراحل غازي الخالدي، وقد واكبت مؤتمر الكتاب العرب أيضاً منتصف الخمسينيات في بلودان وحاورت معظمهم.
بالعودة إلى الناقد والشاعر نزار بريك، الذي تحدث عن مجلة الواحة قائلاً: (في صباي المبكر أولعت، ومازلت، بشعر الشاعر الكبير (بدوي الجبل)، وحفظت مقاطع مطولة من عدد من قصائده، ولاسيما (النبع المسحور) و(الدمية المحطمة) و(خالقة) و(السراب) و(الله والشاعر) وغيرها.. تلك القصائد التي وجدت فيها حسناً إنسانياً عالياً، ورؤية شعرية تتجاوز ما كنت أجده في قصائد كثير من الشعراء المعاصرين له، فقد فتنتني صوره المبتكرة التي توافقت مع جموح خيالي التواق إلى اكتشاف العلاقات الجديدة بين الأشياء والكلمات، كما سحرتني نغمته العذبة المشبعة بروح رومانسية شفيفة تجاوبت مع ذائقتي التي تضبط إيقاعاتها على مشاعر نفسي وأحاسيسها..
وكان زملائي في المدرسة يعرفون مدى شغفي بقصائد البدوي، ولاسيما منهم أولئك الذين يشاطرونني الاهتمام بالأدب والشعر، ويشاركون بكتاباتهم في المجلة التي أسستها عام ۱۹۷۲ حين كنت تلميذاً في المرحلة الإعدادية، تلك المجلة التي حظيت باهتمام واسع في أوساط الطلبة والشباب، وبلغت من النجاح والانتشار حداً جعل إدارة ثانوية جرمانا، بعد أن انتقلت إلى المرحلة الثانوية، تعرض علي اتفاقاً تتولى الثانوية بموجبه طباعة المجلة وتوزيعها، مقابل أن ينضم مدير الثانوية (فيصل حسن) وموجهها إحسان (جبر) والمسؤول الثقافي في اتحاد الشبيبة (وجيه سيف) إلى أسرة التحرير الأصلية المؤلفة من زملائي في المدرسة غسان حمزة ومروان نوفل وصالح الأسعد وزهير بريك هنيدي، على أن أبقى رئيساً للتحرير أتمتع بصلاحياتي الكاملة حسب ما نص عليه بيان الاتفاق الذي تم تذييله بتوقيعي كمؤسس ورئيس تحرير للمجلة، وتوقيعي مدير الثانوية ومسؤول الشبيبة، وتم نشر البيان في أول عدد صدر عن الثانوية بعد الاتفاق، وتابعت المجلة .
مع بدوي الجبل
سمع الشاعر بوجود البدوي في بلودان، فشد الرحال إليه مع زميله غسان حمزة، وبعد جلسة تصفح فيها البدوي المجلة وطلب من هنيدي قراءة قصائد غير موجودة في العدد، أثنى عليه ووافق على الحوار، مع أنه كان منقطعاً عن ذلك وعنده صحفيون لم يستجب لطلبهم.
يضيف هنيدي: رفع رأسه نحوي، وقال: كنت أظن أنك ستقدم لي مجلة مدرسية مثل التي ألفنا أن سورها طلاب المدارس الهواة، أما هذه المجلة فتبدو ناضجة ومتكاملة في تبويبها خراجها وتحريرها، كما أن قصائدك التي اطلعت عليها بسرعة تنبئ عن موهبة ولغة يندر أن تتأتى لطالب في مثل سنك، مع ذلك فأنا أريد منك أن تقرأ قصيدة جديدة من نظمك غير القصائد المنشورة هنا، ليسمعها ضيوفي أيضاً.
فهمت أنه ربما أراد أن يمتحنني، وربما ظن أن هناك من قام بتصحيح القصائد قبل نشرها، أو ربما أراد أن يراقب طريقة إلقائي وتفاعلي مع الكلمات، فرحت أقرأ قصيدة جديدة، تاركاً فواصل زمنية بين مقاطعها لألتقط همهمات الإعجاب التي تصدر عن الجالسين، ولم أكد أتمم القراءة حتى قال البدوي شاعر حقيقي يا نزار، ويسعدني أنني سمعتك اليوم، وبالرغم من أنني أبتعد هذه الأيام عن الصحافة ولقاءاتها، إلا أنني سأعطيك الحوار الذي تريد بكل محبة ضيفي هذا، إنه مندوب جريدة (النهار) اللبنانية، جاء يطلب حواراً معمى، لكنني لم أوافق، والحوار سيكون لك أنت، اجلس إلى جانبي، فأنا فخور بك ومستعد لتلقي أسئلتك).. ثم يعرض هنيدي في الكتاب الحوار كاملاً.