المياه في سوريا.. قنبلة موقوتة قد يفجرها الصيف القادم

الثورة – معد عيسى:

بات مؤكداً أن ملف المياه في سوريا سيتصدر التحديات التي تواجهها الدولة السورية بسبب الجفاف، وتراجع معدلات هطول الأمطار، وغياب تنفيذ أي مشروع مائي على الأقل خلال العشر سنوات الماضية، بمقابل تأكل شبكات الري ومياه الشرب وارتفاع نسبة الهدر، ويضاف لما سبق عدم وجود الاعتمادات المالية في الخزينة.
ما يزيد من تحديات المرحلة المقبلة، أن نهر الفرات ليس بيد الدولة السورية، وكذلك دجلة وروافد نهر اليرموك أيضاً، وهذا يحتاج إلى جهد مؤسساتي كبير وبيوت خبرة لا تبدو متوفرة حالياً لمعالجة الأمر، وكذلك إلى إمكانات مادية كبيرة.
سوريا بلد زراعي بالدرجة الأولى، وبالتالي احتباس الأمطار وتراجع معدلات الهطول يهدد القطاع الأول في سوريا، كما يهدد بأزمة مياه شرب حادة خلال الصيف القادم، قد تكون غير مسبوقة، ما لم تعود مؤسسات الدولة لعملها ورسم الخطط والبرامج التنفيذية استعداداً لذلك.
“التشظي” في إدارة المياه
أهم التحديات التي تواجهها الدولة السورية وسبل التخفيف من آثار هذه التحديات حددها الوزير والخبير السابق في الأسكوا المهندس نادر البني بأربعة تحديات: (الجفاف، مياه الري والفلاحين، مياه الشرب ومياه الصرف الصحي، المجاري المائية الدولية المشتركة).
وتابع البني: المشكلة الأساسية في قطاع المياه أنه خلال العشر سنوات الأخيرة لم يتم بناء مشاريع مائية جديدة، ولم تتم الصيانات، والأخطر من كل ذلك ما يُمكن تسميته “بالتشظي”، وأعني أن ملف المياه لم يكن يخضع لإدارة واحدة، بل كان يخضع لعدة إدارات حسب الجهة التي تسيطر على الأرض، وهذا كان له أثر سلبي في موضوع استنزاف الأحواض المائية وعدم معالجة مشكلات التلوث.
الجفاف يضرب ويهدد
وحول تحدي الجفاف قال البني: الشرق الأوسط يتأثر سلباً بتغير المناخ، ومن المرجح أن تصبح هطولات الأمطار غير سهلة التنبؤ من حيث المدة والكمية، وسوريا تواجه هذه الحالة، وهذا له عواقب شديدة على الموارد المائية والقطاعات الاقتصادية ونظم إنتاج الأغذية الرئيسية، ويشكل خطراً مباشراً على الصحة العامة وعلى الثروة الحيوانية والتنوع البيولوجي، ويخفض القوة الشرائية، ويؤدي لزيادة عدد المُعدمين ونزوحهم من الأرياف التي يرتبط 30% من أسرها بالزراعة، ولذلك لا بد من الإسراع باعتماد استراتيجية وطنية لإدارة الجفاف ببرامج تنفيذية خاصة بإنشاء نظم مستدامة للتخفيف من آثار الجفاف وإدارتها، تشمل الرقابة على استخدام المياه والإنذار المبكر، وتخطيط تدابير الطوارئ في حالة الجفاف وتدابير الإغاثة وإعادة التأهيل.
مياه الري تحدد النزوح
سوريا بلد زراعي بامتياز، وكان القطاع الزراعي يساهم بأكثر من 30% من الناتج المحلي قبل عام 2011، قبل أن ينخفض إلى 13% حالياً، وبالتالي تأثره بأزمة المياه سيكون لها انعكاس كبير على البلد بشكل عام.
ويقول البني: مساحة الأراضي الزراعية المستثمرة في سوريا كانت قبل 2011 حوالى 5.7 ملايين هكتار، منها 1.4 ملايين هكتار مروي، و4.3 ملايين هكتار بعل، فيها 815 ألف هكتار أشجار مثمرة، و3.5 ملايين بعل سليخ، يزرع 105 ملايين هكتار شعيراً، والباقي للقمح وغيره، وبالتالي هذه المساحات بحاجة كبيرة للمياه، سواء أمطار أم مياه جوفية وينابيع وأنهار وسدود وغيره.
وتابع: عندما يحصل الجفاف فإن التوجه يكون لاستنزاف المياه الباطنية، وهو الملف الأكثر خطورة، ولاسيما في الحسكة ودمشق وريفها، لذلك لا بد من أن تشمل السياسة الخاصة بإدارة الجفاف برامج تقلل من استهلاك المياه الجوفية للري واعتماد أساليب ري حديثة تقلل من الهدر، وهنا يبدأ دور الفلاح الذي يجب أن نتحاور ونعمل معه لترشيد استخدام المياه والعمل على زيادة الإنتاجية في وحدة المساحة.

مياه الشرب
عندما يتعلق الأمر بمياه الشرب، فالأمر يكون أكثر خطورة وأكثر إلحاحاً للمعالجة والمواجهة، فسوريا حسب إحصاءات البنك الدولي لعام 2021 يزيد عدد سكانها على 21 مليون نسمة، وبالتالي احتياجات مياه الشرب والمنزلية 1.6 مليار متر مكعب بالسنة، والمنُتج 1.4 مليار متر مكعب، أي بعجز 200 مليون متر مكعب.
وفي مواجهة تحدي تأمين مياه الشرب يقول البني: عدد المشتركين بشبكات المياه في سوريا حوالى 3.5 ملايين مشترك، وطول الشبكة بمعدل 70 ألف كم، والهدر في الشبكة 34%، ويتجاوز 60% في بعض المناطق بسبب الحرب وعدم الصيانة، عدا عن الهدر في مصادر المياه (الأنهار 40%، الينابيع 20%، الآبار 38% والسدود 2%)، وبالتالي لا بد من مواجهة هذا الأمر ووضع حد لنقص مياه الشرب بحل المشكلات الفنية والإدارية والمؤسسية والمالية والهيكلية، وإعطاء الأولوية لمعالجة محطات الصرف الصحي والمياه الصناعية ورفع التلوث وتخفيض الهدر.

الأنهار الدولية
معظم التحديات التي تواجه ملف المياه يتم حلها داخلياً، إلا أن ملف المياه المتشاطئة بين الدول يكون حلها مشتركاً بين الدول المتشاطئة وفقاً لاتفاقيات دولية وثنائية ترتبط بحسن علاقات الجوار والظروف السياسية والدولية، وسوريا دولة تعتمد بشكل كبير على مصادر المياه التي تنبع من دول الجوار (الفرات وجلة من تركيا، العاصي من لبنان، وهناك تشارك مع الأردن وفلسطين المحتلة في حوض اليرموك)، عدا عن الاتفاقات التي تحكم تقاسم الحصص المائية للأنهار العابرة ولاسيما مع العراق في نهري دجلة والفرات.

يقول البني: إن الاتفاقات التي تحكم العلاقة مع دول الجوار بملف المياه معقدة وتحتاج لمتابعة سياسية كبيرة لحل إشكلات وخلافات حول تقاسم الحصص المائية بين دول سوريا والعراق وتركيا والأردن، ولاسيما بتحديد التدفق المائي وحصة كل دولة، والأمر ذاته بالنسبة لنهر العاصي الذي تم الاتفاق عليه مع الأتراك لبناء سد الصداقة، وكذلك بالنسبة لحوض اليرموك مع الأردن والكبير الجنوبي والشمالي مع تركيا ولبنان.
أخيراً..
كما حددت المياه موطن الحضارات على مر التاريخ، فهي ترسم اليوم العلاقات بين الدول، والسبب الرئيسي في احتدام الصراعات وحركة النزوح الداخلي والخارجي وتغيير الجغرافيا والديمغرافيا، ولذلك لا بد أن تنطلق الإدارة الجديدة في سوريا بمسك ملف المياه وإعداد السياسات والبرامج التنفيذية لمواجهة التغير المناخي، وما يتركه من آثار على الدولة والمجتمع، ومعالجة مشكلات الهدر والتلوث، وإنشاء سدود لحصاد مياه الأمطار قبل أن نصل لمرحلة معالجة مياه البحر.

 

آخر الأخبار
في أخطر سنوات عدوان النظام البائد على شعبنا.. هكذا زادت رسوم تراخيص البناء بنسبة 900% الدكتور الشرع يتفقد الخدمات في مستشفى اللاذقية توقعات بنمو اقتصاد المعرفة إلى 75% مع بداية 2025 أبناء الرقة يناقشون همومهم ورؤاهم مع اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني وفد قبرصي في دمشق.. نيقوسيا تبحث رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا الرئيس الشرع والسيد الشيباني يستقبلان وفدا قبرصيا رفيع المستوى بازار "ألوان سوريًة".. طباع لـ"الثورة": إقبال عربي ودولي و160 سيدة أعمال شاركن بالبازار دعماً لمستشفى درعا الوطني.. رجل الأعمال موفق قداح وأبناؤه يقدمون 200 ألف دولار تعاون مع  "أطباء من أجل حقوق الإنسان" لتعزيز الطب الشرعي انطلاق الجلسة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في السويداء تجمع أبناء الجولان المحتل بدرعا:  النظام البائد باع الجولان وهمش أهله ونقف مع إدارة سوريا الجديدة هل تستعيد حلب دورها الاقتصادي؟ الاحتلال الإسرائيلي يضع بوابة على مدخل المحمية الطبيعية في بلدة جباتا الخشب في الجولان غراندي: تعزيز جهود التعافي المبكرة في سوريا ضرورة لعودة اللاجئين سوريات يخلقن فرص عمل.. مشاريع منزلية بعضها يعود إلى 45 عاماً استجابة لما نشرته "الثورة".. نقل درعا تعيد دائرتها للصنمين مدرسو كلية الفنون الجميلة تجمعهم كلمة "سوريا" محمد المحاميد.. الشهيد الذي وُضع في ثلاجة الموتى حياً وكتب وصيته على جدرانها بدمه "الولاية القضائية العالمية وتوثيق وأرشفة الأدلة" بورشة متخصصة بدرعا صباح الوطن الجميل من بصرى التاريخ