الثورة – جهاد اصطيف وحسن العجيلي:
مع حلول شهر رمضان المبارك، لا تزال الأزمة المعيشية تنغص فرحة السوريين بسقوط النظام البائد، فمنذ سنوات، باتت تكلفة الغذاء تفوق قدرة المواطن العادي بكثير، وبالرغم من أن الأسعار شهدت انخفاضاً ملحوظاً، إلا أن القدرة الشرائية وضعف الرواتب وبالكاد يفيهم بضعة أيام، جعل من بعض المواد الغذائية الأساسية ترفاً بعيد المنال بالنسبة للكثيرين.
جولة أسواق
وفي جولة سريعة، لصحيفة الثورة، على عدد من أسواق حلب نجد أن سعر كيلو لحم الغنم تجاوز ١٢٠ ألف ليرة، أما الفروج، وهو البديل عن لحم الغنم، أصبح هو الآخر مكلفا، يباع الكيلو بنحو ٣٠ ألف ليرة.
البرتقال والتفاح والموز ثابت
استقر سعر بعض المواد الأساسية الأخرى، مع ارتفاع بسيط بسبب دخول شهر رمضان المبارك واستغلال التجار لتبقى الأسعار بطبيعة الحال خارج قدرة المواطن على الشراء، وعلى سبيل المثال بلغ سعر الأرز نحو ١٠ آلاف ليرة، والبرغل نحو ٩ آلاف، والسكر نحو ٨ آلاف، ولتر الزيت النباتي بنحو ١٧ ألف، والسمنة النباتية أكثر من ٢٥ ألف ليرة.
الخضار والفواكه، فقد شهد سعر البندورة تحسناً واضحاً، وبلغ سعر النوع الجيد نحو ٨ آلاف ليرة والخيار نحو ١٠ آلاف، وكذلك الكوسا، فيما الباذنجان ١٥ ألفا، ليبقى سعر البرتقال والتفاح والموز محافظاً على سعره تقريبا كما هو الحال قبل حلول الشهر الفضيل.
كابوس آخر
ليت الأمر يقف عند هذا الحد، فالمواصلات العامة، هي الأخرى باتت تمثل كابوساً آخر للأهالي، وتصل تكاليف التنقل اليومي لعائلة من ثلاثة أفراد إلى نحو ٢٠ ألف ليرة يوميا مقابل أجرة خط واحد.
أما بالنسبة لمن يملك سيارة، فإن تكلفة البنزين وحدها تصل إلى نصف مليون ليرة شهرياً، عدا عن الإصلاحات التحدي الأكبر أمام مالكي السيارات، مما يجعل امتلاك سيارة رفاهية لا يتحملها حتى أصحاب الدخل الثابت.
فجوة شاسعة
ولعل المفارقة تكمن في أن راتب الموظف الحكومي وسطيا ثبت حول ٤٠٠ ألف ليرة، لا يكفي سوى بضعة أيام، ورغم القرار الحكومي المنتظر لرفع الرواتب بنسبة ٤٠٠%، تبقى الفجوة شاسعة بين الدخل وتكاليف الحياة اليومية.
معدل الفقر تضاعف 3 مرات
سجل تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أواخر شباط الماضي، ٩ من كل ١٠ أشخاص في سوريا يعيشون في حالة فقر، و1 من كل ٤ عاطلين عن العمل، ومعدل الفقر تضاعف ٣ مرات تقريباً من ٣٣% قبل ٢٠١١ إلى ٩٠% اليوم.
التقرير أظهر اعتماد ثلاثة أرباع المواطنين على المساعدات الإنسانية ويحتاجون إلى دعم التنمية في المجالات الأساسية للصحة والتعليم وفقر الدخل والبطالة وانعدام الأمن الغذائي والمياه والصرف الصحي والطاقة.
وتعرف الأمم المتحدة “خط الفقر المدقع” بأنه العيش على أقل من دولارين وربع للشخص الواحد في اليوم، وفقا لمعيار القوة الشرائية للعام ٢٠١٧.
غابت الزينة الرمضانية
اعتاد الناس، سواء في حلب أم في المدن السورية الأخرى، في سنين سابقة، على رؤية شوارع المدن بالزينة الرمضانية وتكتظ الأسواق بالناس استعدادا لاستقبال الشهر الكريم، أما اليوم، فقد خفتت تلك المظاهر، وتحول رمضان من شهر الموائد العامرة إلى شهر التقشف، فالأسر التي كانت تقيم ولائم الإفطار باتت تكتفي بأبسط الأطعمة، وأخرى تحاول الاستفادة من الجمعيات الخيرية التي تقدم وجبات مجانية للصائمين.
معاناة مستمرة
يقول هاني. ح، أحد المتسوقين في سوق باب الجنان الشعبي بحلب، كنا نفرح كثيراً لقدوم شهر رمضان المبارك، أما الآن فبتنا نحسب له ألف حساب، فالأسعار وبرغم انخفاضها، قياساً لما قبل التحرير، إلا أنها لا تزال تحلق، خاصة لأصحاب الدخل المحدود.
وما زاد الطين بلة، وازدياد الأزمة المعيشية صعوبة بشكل غير مسبوق، يضيف هاني: النقص الحاد في السيولة وسقف السحب من المصارف، إذ أصبحت الطوابير الطويلة في البنوك وأجهزة الصراف الآلي صراعاً يومياً، ولا يسمح في اليوم إلا سحب مبلغ بالكاد يكفي لتغطية المواد الغذائية الأساسية، وقال: يمكن أن يشتري المبلغ كيلو ونصف من اللحم، ولكن ماذا عن بقية المستلزمات؟.
فيما قال محمد. أ: وصلنا إلى نقطة أصبح مجرد تقديم فنجان من القهوة للضيوف أمراً صعباً، وعلى الرغم من انخفاض أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية، مثل الأرز والبرغل والزيت، إلا أن الخبز أصبح سعره عالياً، في السابق حدد سعر الربطة من سبعة أرغفة ٤٠٠ ليرة، والآن بعد تخفيض وزنها من ١٢ رغيفاً ٤٠٠٠ ليرة، وختم : صحيح أسعار أرخص، لكن لا مال في جيوب الناس!.
بدورهم العديد من الباعة قالوا: ندرك تماماً المعاناة، لكن ما باليد حيلة، نضطر لتغيير الأسعار مع كل تغير في سعر صرف الدولار حتى لا نتكبد الخسائر كثيرا في تجارتنا.
الغد أفضل
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يرى أن الاقتصاد السوري يمكن أن يستعيد مستواه في غضون عقد من الزمن إذا تحقق نمو قوي، ورغم أن معدلات النمو الحالية تشير إلى أن الاقتصاد لن يعود إلى مستوياته السابقة قبل عام ٢٠٨٠، فإن تحقيق انتعاش اقتصادي سريع قد يقلص هذه الفترة إلى ١٠ أو ١٥ عاماً إذا تم اعتماد استراتيجيات تنموية مناسبة.
ربما يحتاج التعافي إلى كل هذه السنوات، وربما تكون الطريق صعبة ووعرة اتضحت ملامحها بعد سقوط النظام البائد، لكن الأمل يبقى قائماً في أن يأتي يوم يعود فيه السوريون ليحيوا شهر رمضان كما اعتادوا، موائد عامرة، بعيداً عن العوز والمساعدات، والأهم التسلح بإيمان أن الغد سيكون أفضل.