الثورة – ترجمة ختام أحمد:
لطالما نظرت الطبقات الحاكمة في إسرائيل إلى التحول الديمقراطي في الدول العربية والإقليمية باعتباره تهديداً لمصالحها السياسية، وهو المنظور الذي تزايد منذ عام 2011، وهذا هو الحال أيضاً في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد في /كانون الأول 2024 بعد 54 عاماً من الحكم الاستبدادي.
أصبح التضامن السوري مع فلسطين متاحاً للجميع، في عهد نظام الأسد، لم يُسمح بأي احتجاج أو أي شكل من أشكال التضامن مع فلسطين خارج نطاق الدولة ومصالحها، كما مُنعت أي أشكال من المقاومة قرب الحدود مع إسرائيل، ومن الواضح أن إسرائيل تشعر بالقلق إزاء هذا التحول في المقاومة الشعبية، ولذلك اتخذت عدة تدابير لإضعاف وتقسيم عملية التحول في سوريا، بعد أيام قليلة من سقوط الأسد، احتل الجيش الإسرائيلي أراضٍ سورية جديدة، بما في ذلك الجانب السوري من جبل الشيخ في مرتفعات الجولان والأراضي الجنوبية، ودمر مواقع عسكرية وبنية تحتية سورية. وجّهت هذه الغارات رسالة سياسية واضحة: “تل أبيب” قادرة، بل عازمة، على تهديد الاستقرار السياسي في سوريا إذا اتخذت الدولة الناشئة موقفاً عدوانيا، علاوة على ذلك، أقرت الحكومة الإسرائيلية رسمياً الخطة – القرار رقم 864 لعام 2021 – التي تُخصص 11 مليون دولار لزيادة عدد سكان المستوطنات في مرتفعات الجولان المحتلة إلى 50 ألفاً بحلول عام 2025. وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلًا: “إن تعزيز الجولان هو تعزيز لدولة إسرائيل، وهذا أمر بالغ الأهمية في هذا الوقت”. يعيش حالياً حوالي 31 ألف إسرائيلي في مستوطنات تُعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي في مرتفعات الجولان، إلى جانب ما يقرب من 20 ألف سوري، معظمهم من الدروز.
في حملته التدميرية، اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلي المناطق، وهدمت الطرق وشبكات المياه والكهرباء، ودمرت العديد من المنازل والمزارع والأراضي الزراعية، بالإضافة إلى محاصرة السكان المدنيين، ومنع دخول المواد الغذائية إلى قراهم، وإرهابهم لاقتلاعهم من مناطقهم. وشهدت مناطق جنوب سوريا، على مرتفعات الجولان، مظاهرات واحتجاجات متنوعة، تنديداً بغزو واحتلال أراضٍ جديدة.
وفي الأسابيع الأخيرة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في نهاية شباط عن نزع السلاح بشكل كامل في جنوب سوريا، بما في ذلك محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، وأنه لن يتسامح مع نشر قوات الحكومة السورية الجديدة جنوب دمشق.
وقد قصفت إسرائيل مواقع عسكرية في جنوب سوريا، وخاصةً قرب دمشق وفي محافظة درعا، ووقعت هذه الغارات الجوية بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني.
وعلى نحو مماثل، سعت الحكومة الإسرائيلية إلى إثارة التوترات الطائفية في البلاد من خلال تقديم نفسها كمدافع عن السكان الدروز في جنوب سوريا وتهديدها بالتدخل عسكرياً من أجل “حمايتهم”، في حين رفضت القوى الاجتماعية والسياسية الدرزية الرئيسية إلى حد كبير خطابات الإسرائيليين وأكدت انتماءها إلى سوريا ووحدة البلاد.
لا يكترث المسؤولون الإسرائيليون بمعاناة الشعب السوري، بل يهتمون بنشر الفوضى داخل البلاد لاستغلال هذه الديناميكيات لخدمة مصالحهم، علاوة على ذلك، دأبت إسرائيل على الضغط على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا ضعيفة وغير مركزية، وفي الوقت نفسه، تنظر إسرائيل بشكل سلبي إلى أي محاولات لتخفيف التوترات وتفتيت البلاد، مثل الصفقات الأخيرة التي تم عقدها بين الرئاسة السورية من جهة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يهيمن عليها الأكراد من جهة أخرى “لدمج” مؤسساتهم، المدنية والعسكرية، في الدولة السورية، بعد ساعات قليلة من الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق، شنّت طائرات الاحتلال الإسرائيلي عدة غارات على محيط بلدتي جباب وإزرع شمال محافظة درعا، وهذا ليس مصادفة، وعلاوة على ذلك، ليس لدى أي قوى إقليمية أو دولية مصلحة في انتقال ديمقراطي ناجح في سوريا، بل إن مصلحتها تكمن في فرض شكل جديد من الاستقرار الاستبدادي، والذي يتحقق في الأغلب من خلال تمكين الجهاز المسلح للدولة.
إن هجمات الجيش الإسرائيلي وتوسع احتلاله للأراضي السورية يثبت مرة أخرى الارتباط بين السعي من أجل دمقرطة المجتمعات الإقليمية والمشروع الإمبريالي الأميركي المهيمن في المنطقة وجناحه المسلح إسرائيل الذي يعارض تقرير مصير الطبقات الشعبية الإقليمية ويحتل الأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية.
المصدر _ The NewArab