الثورة- نور جوخدار
بعد مرور ثلاثة أشهر على سقوط النظام البائد، دخلت البلاد مرحلة مهمة جديدة لبناء نظام سياسي يعكس تطلعات الشعب السوري في تأسيس دولة ذات تشاركية قائمة على مبدأ العدالة والحرية والديمقراطية، وتُنظَّم فيه العملية الانتقالية للحكم وإدارة البلاد ضمن إطار قانوني وضوابط دستورية، ويعد الإعلان الدستوري أحد أبرز ملامح هذه المرحلة، ونقطة تحول جذري، في بناء الدولة الديمقراطية، وإرساء دعائم العدالة والمساواة من خلال سن المفاهيم والقوانين التي تنظم الحياة الاجتماعية والسياسية.
وفي استعراض لما جاء به الإعلان الدستوري لسوريا 2025 ومناقشته، خاصة من باب الفصل بين السلطات، والتي تعد الركيزة الأساسية في بناء أي نظام سياسي وفقا للمتحدث باسم لجنة صياغة مسودة الإعلان الدستوري عبد الحميد العواك حيث قال “لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائبا عن النظم السياسية، تعمدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات”.
وفي حديث خاص لـ “الثورة” أكد المحامي والأكاديمي السوري المقيم في فرنسا زهير مارديني: أن أهمية الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ الثامن من آذار هو أنه جزءً لا يتجزأ من معاهدات حقوق الإنسان التي وقعت عليها سورية سابقاً وهذا يصح عليه القول بأنه دسترة للمعاهدات الدولية، وهذه سابقة كانت تسعى لها النقابات في سورية إبان حراكها الشهير عام ١٩٧٨ لاسيما نقابة المحامين التي طالبت بإلغاء حالة الطوارئ، وإتاحة الديمقراطية واستقلال القضاء وإيقاف الاعتقالات التعسفية في جميع المناطق السورية، كما دعت لاعتبار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مُتضمناً في الدستور السوري وهذا ما أثار حفيظة الأسد الأب حيث مارس قمعه الشهير تجاه جميع النقابات حينها.
وأضاف مارديني أن التأكيد على أهمية احترام حقوق الإنسان ضمن سلوكيات المؤسسة العسكرية كان لافتاً للنظر في متن الإعلان، وحول أهمية هذه الخطوة من الناحية العملية، وبالعودة إلى الفقه القانوني الفرنسي سنجد أن القضاء الفرنسي يتفاعل مع المبادئ الدستورية عبر الدفع بعدم دستورية الأحكام المخالفة للحقوق والحريات الأساسية وهذا من الممكن أن يتحقق في سوريا ويبدو أنه نُصب أعين واضعي هذا الإعلان خصوصاً أنهم لم ينسوا حل المحكمة الدستورية العليا وفقاً للمادة السابعة والأربعين.
أما فيما يخص توجه الإعلان لمبدأ فصل السلطات الثلاث يقول مارديني إن تحرير منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى من يد رئاسة الجمهورية يعد نقطة إيجابية وبغاية الأهمية لضمان استقلال القضاء كسلطة لا يصح وضعها تحت سلطان رأس السلطة التنفيذية، وهذا بدا واضحاً عند السيدات والسادة مسطري الإعلان عندما أخذوا بعين الاعتبار وبشكل ملحوظ وقتما تطرّقوا لصلاحيات منصب رئيس الجمهورية.
أما من الناحية التشريعية وفصلها عن سلطة التنفيذ أشار مارديني إلى أن سوريا كانت منهكة بما يسمى المراسيم التشريعية الصادرة عن شخص الرئيس، ووفقاً للإعلان فإن سلطة التشريع أضحت حصراً بيد مجلس الشعب بما يضمن استقلال المؤسسة التشريعية بشكل كامل، بيد أن تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب من قبل الرئيس قد لا يتسق مع مبدأ فصل السلطات وإنما قد يبدو إجراءً موازناً لهذا التغيير الكبير في العلاقة بين السلطات على الأقل مرحلياً وفقاً لهذا الإعلان.
والجدير بالذكر أن آلية الانتخاب ليست واضحة فضلاً عن إمكان إجرائها على الأرض أمام التحديات الأمنية المُستجدة.
وأوضح مارديني بالنسبة للإرث الدستوري فإن التأثر بالتاريخ الدستوري السوري كان واضحاً في صياغة البيان، فمنذ بداية اطلاعه على الدساتير السورية كان لدستور رشدي كيخيا ١٩٥٠ الوقع الأكبر في مرجعيته الأخلاقية ورمزيته التاريخية فهو دستور الاستقلال الذي خُط بيد الآباء الدستوريين الأوائل ولَحظ في بنوده حماية الحقوق الأساسية، بل أنه فصّل مسألة التوقيف الإجرائية تشديداً على أهميتها في احترام كرامة الإنسان.
وفي المادة الحادية عشر من باب الأحكام العامة يقول مارديني: إن النص الدستوري في المذهب الاقتصادي قد قطع موقفه بتبنيه مبدأ السوق الحر وبذلك يكون قد أخرج سوريا من عباءة الاشتراكية التي اكتستها ولو نظرياً في بعض المراحل من ستينيات القرن الفائت.
#صحيفة_الثورة