الثورة – لقاء رولا عيسى:
ماذا بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وكيف يمكن الخروج بمضامين وتصورات تضعنا في حيز التفاؤل الاقتصادي؟.
“الثورة” فتحت هواجس الملف والعمل الاقتصادي القادم في حوار مع الخبير الاقتصادي الدكتور زياد أيوب عربش، فصلب التساؤلات يدور اليوم عن العمل والتحديات في هذا القطاع الحساس، وفي مقدمتها الغاية من دمج ثلاث وزارات متاخمة للعمل للاقتصادي في وزارة واحدة.
تكامل عمل الوزارات الاقتصادية
وتعقيباً على الخطوة يجيب الدكتور عربش: تقنياً، يساهم ذلك مع إجراءات أخرى، بتكامل التجارة الخارجية والداخلية مع السياسة الاقتصادية، وبالتالي تحقيق أعلى درجات التنسيق والرشاقة في الأداء. وماذا عن التركيب الجديدة؟ وبحسب الدكتور عربش- هذا المطلب يفترض إعادة هيكلة التراكيب الإدارية في الوزارات الثلاث (الاقتصاد والتجارة الخارجية، التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الصناعة) مع برامج تدريب مستعجلة لتقوم التراكيب الجديدة في الوزارات المستحدثة (كوزارة الشباب) بدورها، بالتوازي مع إعادة دمج كوادر وموظفين من الوزارات الملغاة في الجسم الحكومي.
الحوكمة
وهنا يقول الخبير الاقتصادي: بالطبع فإن التقدم بمسار صحيح يتطلب حوكمة كامل العملية وضمن منطق بناء وتعزيز القدرات البشرية (وهجر ما ساد من هدر ولمدة 8 سنوات بمشروع التنمية الإدارية).
ضبط الإيقاع
السؤال الآخر: هل الخطوة في مكانها، خاصة أن بعض هذه الوزارات لم يكن لها وقع على أرض الواقع في مجال ضبط الأسواق، والإنتاج أو تنظيم العمل التجاري؟ يرد الدكتور عربش بالإيضاح: تكون الخطوة على مسار صحيح إذا ما تم ضبط إيقاع جميع الفاعلين في السياسة الاقتصادية ككل (بالإضافة إلى الاقتصاد والمعنية أيضاً بشؤون الصناعة، ضرورة التكامل مع دور وزارة المالية والزراعة والمؤسسات التابعة ومع ممثلي قطاع الأعمال والاتحادات والغرف المهنية والنقابات).
لا بديل عن السياسات الميسرة
ويرى أن هذه السياسة تكتسب أهمية بهجر عقلية أن “السوق الحر” كفيل بتوجيه الموارد واستغلالها تنموياً، فلا بديل عن سياسة اقتصادية مُيّسرة للنشاط الاقتصادي من أول السلسلة (الأرض أو مدخلات الإنتاج كحلقة أولية أو وسيطة) إلى آخرها.. أي المستهلك النهائي للبضائع والسلع والخدمات، وطبعاً وبالتوازي يتم- وخلال أسابيع- إعادة تنظيم العمل التجاري والإنتاجي، بتطوير البيئة القانونية والتنظيمية الشفافة.
ألف قانون وإجراء يحتاج إعادة النظر
الدكتور عربش عند هذا التصور يؤكد أن هناك ما يقارب الألف قانون ومرسوم (وعدد كبير من الإجراءات واللوائح)، جزء كبير منها بحاجة إلى إلغاء كونها تعيق عمل المستثمر المحلي والأجنبي، وجزء آخر يجب دمجه مع عملية اختزال رشيقة، وبصياغة جديدة تغطي كل متطلبات المراحل القادمة خاصة فيما يتعلق بالتطور التكنولوجي في عمليات الإنتاج السلعي والخدمي والتخديمي وتطوير قنوات التمويل، وأساليب ضبط الأسواق وحمايتها من الانفتاح الكبير والعابر للحدود وبالتالي تعزيز مكانة الإنتاج المحلي جودةً وسعراً، ومن ثم استعادة أسواق التصدير. لكن في المقابل تطرح “الثورة” سؤالاً مفاده: هل ستستطيع الحكومة تحقيق النمو الاقتصادي المطلوب في ظل استمرار غالبية العقوبات، وأيضاً عدم السيطرة المباشرة على آبار النفط في المنطقة الشرقية؟ هنا يجيب الدكتور عربش: إنه أول أولوية، بعد إيلاء الأمن والأمان الأهمية البالغة وتحقيق السلم المجتمعي كأولوية الأولويات، لابد من التصدي لجميع الهدورات والنزيف التنموي قبل الشروع بمشاريع جديدة، فتوليد ١٠٠ ك.واط من الكهرباء لتصل إلى ٧٠%، ثم يستفيد المستهلك منها فقط ٤٠% يعني استنزاف للموارد بعائدية ضعيفة. ويعتبر أنه من غير العقلاني متابعة تسجيل معدل فاقد فني وتجاري مع عدم اكتراث بأهمية وصعوبة تأمين التيار، وتُرى بالمؤسسات العامة والخاصة وبالطرقات والإنارة في وضح النهار!. طبعاً- الكلام للدكتور عربش- لابد من مراجعة جميع مراحل تسعير مدخلات الإنتاج، ومن غير المنطقي ألا يعود المنتج السوري (كالسلع الزراعية والمنتجات الغذائية) منافساً في السوق المحلي، وبالتالي لابد من مراجعة كل من السياسة التجارية (فتح الأسواق والرسوم الجمركية، وإبرام اتفاقيات جديدة مع تركيا وكامل منطقة “الغافتا)، والسياسة المالية والمصرفية والاستثمارية (قنوات الإقراض والضرائب، حوافز الإنتاج، التصدير، والتشغيل)، أي نعود لمسألة حوكمة النشاط الاقتصادي ككل، أي “قائد الأوركسترا “كالفريق أو اللجنة الاقتصادية مع الضرورة البالغة لاعتماد سياسة الباب المفتوح، أي التشاركية في صنع وتنفيذ السياسات الاقتصادية، خاصة تجاه الفعاليات وقطاع الأعمال والمجتمع الأهلي، ولاسيما أن اقتصاديات المكان والإدارة التنموية في المحليات ستلعب الدور الرافع لتراكيب الإنتاج المتوافقة مع متطلبات الاستهلاك.
وفي رده على تساؤلنا.. برأيكم ما هي المؤشرات الإيجابية في هذه المرحلة، وكيف يمكن توصيفها من الناحية الاقتصادية؟.
يقول الخبير الاقتصادي: الآن ومستقبلاً ثلاثة مؤشرات تكتسب أهمية بالغة على مستوى الاقتصاد الكلي من تكاليف الإنتاج إلى القدرة الشرائية للمواطنين.
ما هي المؤشرات الثلاثة؟..ويحددها الخبير الاقتصادي بأنها تبدأ:
أولاً- باستقرار سعر الصرف،(وتحسنه مع متابعة إجراءات تخفيف القيود على التحويلات وعلى الليرة السورية وانتفاء السوق غير النّظامي).
وثانياً- النهوض بالاستثمار وبأسعار فائدة مشجعة، وبمناطق صناعية تنموية للإنتاج والتشغيل وتحفيز عمليات التصدير.
وثالثاً- رفع القدرة الشرائية ليس فقط وبالضرورة عبر زيادة دخل الفرد، بل بتخفيض مستوى الإعالة من خلال عمليات التوظيف الضرورية (بدل سياسة الرافد في مؤسسات عديدة)، ليس فقط في الإنتاج بل بقطاعي التعليم والصحة التي تحتاجها اليوم سوريا أكثر من أي وقت مضى، مع عودة المهجرين ومعالجة تراكمات المراحل السابقة (من إعاقات عديدة إلى مسائل الدمج المجتمعي)، حيث لابد وأن تستفيد سوريا فعلياً وعملياً من كامل مؤازرة المانحين، وضمناً ما نتج عن مؤتمر بروكسل الأخير والذي تعهد بـ 6 مليارات دولار)، وطبعاً- والكلام للدكتور عربش- من كامل جهود المغتربين ودول الجوار الصديقة من تركيا والأردن إلى دول الخليج العربي، وأولاً وأخيراً من تفعيل كامل طاقات المجتمع المحلّي.