الثورة – فادية مجد:
كثيرة هي المشكلات التربوية التي لابد من التعامل معها بحكمة وتعقل وخاصة مع الأطفال، فبناء سلوكهم وشخصيتهم يرتكز على هذا التعامل والتوعية والإرشاد التربوي، ومن تلك الظواهر التي نراها عند الأطفال مشكلة السرقة، فما هي أسبابها، وطرق معالجتها وكيفية التعامل معها؟.
للإجابة عن ذلك تواصلت صحيفة الثورة مع ميسم وطفي- دكتوراه في تربية الطفل، اختصاص صحة عقلية ونفسية، والتي بدأت حديثها بالقول: تعتبر السرقة عند الأطفال من مشكلات السلوك المنتشرة بكثرة في فترة زمنية معينة، وغالباً ما تحدث في مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية وتكون بنسبة كبيرة، ولكنها تقل وتنخفض مع التقدم في العمر.
والسرقة كتعريف: هي الاعتداء على ملكية الآخرين، أو عدوان مقصود أو غير مقصود على ملكية الآخرين من دون وجه حق، مع ملاحظة أنه لا يوصف السلوك عند الطفل بالسرقة إلا إذا عرف أن الشيء الذي يرتكبه هو خطأ، وأن من الخطأ أن يأخذ الشيء من دون إذن صاحبه، ومثال على كلامنا: في حال أخذه غرض أخيه أو صديقه من دون إذنه، وهو لا يعرف أن ذلك يسمى سرقة، فنحن لا نسميه كاضطراب سلوكي سرقة، بل يجب أن يكون الطفل واعياً لتعريف هذا الفعل وعواقبه ويقوم به حتى نصفه بأنه عملية سرقة.
تقل مع نمو الضمير
وأضافت الدكتورة وطفي: كنسبة انتشار للسرقة تكثر عند الذكور بمعدل عشرة ذكور لكل أنثى، وكما قلنا تنتشر في مرحلة الطفولة المبكرة أو المتوسطة، وذروتها هي بين الخمس إلى ثماني سنوات، وتتناقص تدريجياً مع نمو الضمير عند الطفل، ووجود الرقابة الأخلاقية لديه، ولكن في حال استمرار ظاهرة السرقة عند الطفل بعد عمر العشر سنوات يدل ذلك على وجود اضطراب نفسي لديه وبحاجة إلى مساعدة متخصصة.
وعزت أسباب السرقة إلى الحاجة المادية، كالظروف الاجتماعية والمادية التي يعيشها، والتي تكون سيئة، فيقوم بفعل السرقة لتعويض أشياء هو محروم منها، والمعاملة الوالدية غير المناسبة كالقسوة الزائدة والعقاب من قبل الأهل، كما التدليل الزائد والذي من شأنه أن يدفعه للقيام بالسرقة، وتلعب التنشئة الاجتماعية غير المناسبة أو التربية غير السليمة، ويقصد بها عدم وجود معايير أخلاقية أو مثل عليا في أسرته، وعدم تربيته أن الغرض الذي ليس له، لا يجوز أن يأخذه أو يستحوذ عليه من دون طلب الأذن، وكذلك تجاهل تصرف الطفل عندما يحضر غرضاً من خارج منزله.
ومن الأسباب أيضاً في ظاهرة السرقة غياب الوالدين أو أحدهما بسبب الوفاة أو الطلاق أو السفر، فيكون ذلك لدى الطفل السلوك التعويضي، والذي يقوم بأي سلوك كان بهدف التعويض عن النقص الذي يعيش فيه ومن ضمنه سلوكيات السرقة لأنها تستدعي انتباه الآخرين، وبالتالي لفت انتباه أو اهتمام الآخرين به، وتعويض الاهتمام الذي يفتقده.
الدافع اللا شعوري
وقد يكون من أسباب السرقة عند الأطفال الدافع اللاشعوري حتى ينتقم، في حال كان يعاني من ظلم الوالدين، فنجده يسرق حتى يضعهما في موقف ضعف أو خجل، أو بدافع انتقام من طفل آخر شعر بالغيرة منه ويتميز عنه بنواحٍ كثيرة فيسرق غرضه، وغالباً ما يقوم بإتلافه أو تكسيره أو إخفائه لفترة بغية إثارة دموع الطفل وإبكائه، وكل ذلك بدافع الانتقام، أما في حال عدم حصول الائتلاف أو الإعادة بعد بكاء الطفل الآخر، فيكون الأمر عند ذلك سلوك سرقة متجذراً.
تعويض الشعور بالنقص
وأيضاً من أسباب السرقة تعويض الشعور بالنقص لديه وتدعيم مكانته بين الأصدقاء كأن يسرق من الآخرين أو من مال والديه لتحقيق ذلك، وأخيراً من أسباب السرقة القدوة السيئة، كالأم التي تسرق أو الأب الذي يسرق، أو قيام أحد الأصدقاء بالسرقة من دون عقاب، وكذلك التوتر الداخلي والاضطراب النفسي الذي يعيشه الطفل في الأسرة، كولادة طفل في العائلة والذي يسبب ضغطاً بالنسبة له، فيسرق حتى يدلل نفسه ويريح نفسه من هذا الضغط النفسي، أيضاً الأفلام التلفزيونية والمجلات التي يقرؤها كمسلسل (روبن هود)، حين يقوم البطل روبن هود بالسرقة من الأغنياء ويوزع على الفقراء، والذي رسخ عند الأطفال فكرة تبرير السرقة والتي يعتبرها فعلا جيداً.
كيفية المعالجة
وبخصوص كيفية معالجة مشكلة السرقة أفادت الدكتورة وطفي: علينا بداية أن نعلم الطفل كيفية احترام ملكية الآخرين، وأن نفهمه معنى الملكية، حتى يصبح لديه القدرة على تمييز ملكية الآخرين، وبالتالي معاقبته على فعل السرقة عند حصول ذلك بعد معرفته بذلك، وضرورة اتخاذ الإجراء الفوري عند حدوث السرقة، بحيث تكون المواجهة لفظية، فنشرح له فعله ومخاطر هذا السلوك، ولماذا سلوكه غير مناسب.
ونسمي فعله ونوضح أنّ هذا السلوك يسمى سرقة، مع تجنب وصف الطفل بأنه سارق، ولابد أيضاً من إظهار عدم الرضا عن ذلك الفعل، وفي الوقت نفسه نظهر المحبة له، وأنه ليس شخصاً سيئاً، مع عدم نشر ذلك بين الجيران أو الأهل وزجره في حال كان الموجه له أمه.
أما لو كانت مدرّسته، فلابدّ لها من أخذ الطفل وتوجيهه من دون أن يستمع زملاؤه لحديثها معه، مع العمل على مناقشة الطفل بما حققه من خلال السرقة (الدوافع الكامنة وراء ذلك) بهدف تحديد الدافع ومعالجته، وعدم تمييز الإخوة أو التلاميذ عن الطفل صاحب المشكلة، من ناحية عقابه أو مناقشته أمام الآخرين، وعدم المبالغة في الاستجابة لسلوك السرقة عند الطفل (من ناحية ضبط الانفعالات والتصرف بهدوء وحكمة) سواء الأهل أو المعلمون، فلا تشعره بأنه ارتكب جرماً، وكذلك عدم الاستهزاء بالسلوك غير الصحيح الذي ارتكبه، وعدم التشهير به، وتخصيص مصروف معتدل للطفل ومراقبته كيف يتم إنفاقه بطريقة غير مباشرة، مع ضرورة الابتعاد عن رفاق السوء ووجود قدوة حسنة، ومراقبة مقتنيات الطفل الخاصة عند عودته من المدرسة.
وفي حال عدم الانتباه لذلك سوف يصبح السلوك عنده عادة، وتربيته على مفهوم الملكية التي له مع ضرورة المحافظة عليها، والابتعاد عن ملكية غيره وإعادتها لهم، والعمل على تغيير أسلوب المعاملة مع الطفل الذي يسرق فلا نعاقبه بقسوة ولا نخفف من وطأة هذا السلوك، بحيث يكون عقاباً معتدلاً مع شرح تبعات ذلك.