الثورة – عمار النعمة:
لعل أبرز ما يميز شبكات التواصل الاجتماعي هو المساحة الكبيرة التي يمكن أن يعبّر من خلالها الفرد عن أفكاره وآرائه، وينشر إبداعاته، لتصل إلى المهتمين كل حسب ذائقته واهتماماته.
والسؤال الذي يطرح هنا: ما الذي يقدمه عالم الانترنت إلى الأديب وإلى عالم الأدب، وهل بات ضرورة وحاجة لا يمكن الاستغناء عنها؟. هل صحيح أن الانترنت كنز ثمين للأديب، يفتح له أبواباً لم تكن متاحة للأجيال السابقة، ويقدم أدوات لا تُحصى لتوسيع معرفته، كالتواصل مع الجمهور، والتعبير عن أفكاره بطرق جديدة، ويوفّر له إمكانية الاطلاع على مصادر أدبية وتاريخية متنوعة، ويتيح له التفاعل مع قرّائه، والتواصل وتبادل الأفكار والانخراط في مناقشات أدبية عبر المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي؟. وهل صحيح أن النشر لم يعد مقتصراً على دور الطباعة التقليدية، وأن بإمكان الأديب نشر أعماله إلكترونياً، ما يمنحه جمهوراً أوسع، وفرصة للوصول إلى قرّاء من مختلف الثقافات؟.
صحيفة الثورة التقت الأديب حبيب الإبراهيم، والشاعرة سهير زغبور، ليتحدثا عن تجربتهما مع الانترنت وماذا قدم لهما، وماذا استفادا منه؟ وهل هو فرصة للانتشار السريع؟.. لنتابع معاً.
الانترنت أكثر من ضرورة
الأديب حبيب الإبراهيم يرى أن الثورة الرّقميّة فجّرت ينابيع المعرفة ودفّقت المعلومات مع مطلع الألفيّة الثالثة، وأتاحت الفرصة لكل مرتادي هذا الفضاء الجديد، أو ما يُعرف بالشبكة العنكبوتية، أو الشابكة العالمية للظهور والانتشار السريع، بعيداً عن أية معوقات كانت تواجه الأديب سابقاً، وتقف حجر عثرة في وجه مشروعه الأدبي الثقافي التنويري.
ويتابع: ضمن هذا السياق وجد الأديب نفسه منجرفاً مع هذا التيار، لا يستطيع بأي حال من الأحوال القفز فوقه، أو إنكاره، أو تجاوزه، بل أصبح في خضمّه، يعوم معه، وعليه أن يتقن أدواته ومصطلحاته وتقنياته، ويتأقلم مع طقوسه وحيثياته التي تتطور يومياً وبشكل متسارع، وبالتالي لا مناص من ولوج هذا العالم وسبر أغواره واستثمار ما يحتويه بما يفيد المجتمع والإنسانيّة.
ويضيف الإبراهيم: ضمن هذا الواقع بدأ الأديب يتعامل مع الإنترنت بشكل تصاعدي، بدءاً من كتابة نصوصه الإبداعية على الحاسوب الثابت أو المحمول أو الهاتف الخلوي، مروراً بالتدقيق والتنسيق واختيار الخطوط وحجم الحروف والدفع بها للنشر سواء في الصحف الورقية أو الإلكترونية، أو المواقع والملتقيات والمنابر الأدبيّة، أو دور النشر التي تشترط أن يكون الكتاب مكتوباً الكترونياً من أجل الإعداد والتهيئة لطباعته على شكل كتاب ورقي.
ملاحظات
ويؤكد الإبراهيم، أن المواقع الإلكترونية وفّرت للأديب وهواة الأدب فرصة واسعة للانتشار السريع من خلال انتشار المواقع الأدبية المتخصصة وبأسماء عديدة، وسهولة مراسلتها والنشر بها، بالرغم من وجود ملاحظات عديدة على الكثير منها، سواء من ناحية مستوى المواد الأدبية المنشورة وسطحيتها ووجود الأخطاء النحوية والإملائية في بعضها، ومع ذلك تجد تعليقات المدح والإطراء والإعجاب و…إلخ.
الأبراج العاجية
ووفّر الانترنت للأدباء، ومعهم أيضاً القرّاء، الاطلاع على كم هائل من الكتب الالكترونية دونما عناء، وبتخصصات عديدة بالرغم من أهمية ودور الكتاب الورقي في التوثيق والأرشفة ومتعة القراءة، كما أجبر التعامل مع الانترنت الكثير من الأدباء؛ الذين يعانون من تضخم (الأنا) والنرجسيّة المفرطة إلى النزول من أبراجهم العاجية ومواكبة قضايا الناس والمجتمع، وبالتالي أصبحت كتاباتهم أكثر بساطة وواقعية، وأكثر حيوية ودفئاً وقرباً وتعبيراً عن قضايا الإنسان والمجتمع الوجدانية والوطنيّة والاجتماعية.
معاناة البعض
وحول ما إذا كان الأديب يستطيع تجاوز هذا الواقع، وهذا التطور التقني الذي يمضي متسارعاً بشكل يومي، قال الإبراهيم: من خلال الواقع الذي نعيشه والتحول الرقمي في مختلف مناحي الحياة، وخاصة ما يتعلق بالإعلام والنشر والكتابة والإبداع، لا يمكن لأي أديب مهما بلغ شأنه وارتقى إبداعه، وبلغ عمره، أن يجد نفسه خارج هذا الواقع، وعليه أن يتعامل مع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ونشر ما يريد نشره من فكره وإبداعه، بالرغم من معاناة كبيري السن من الأدباء في التعامل مع أجهزة الحاسوب، والأجهزة الخلوية ذات التقنيات العالية، التي تأتي كل يوم بجديد، مع تطور في المصطلحات، وتطور في اللغة والتي تعاني ما تعانيه من قِبل متصفحي الانترنت من إهمال وإدخال كلمات أجنبية في سياق الأحاديث أو ما يعرف بـ (الدردشة)، مؤكداً أن الإنترنت عالم واسع، وهو سلاح ذو حدين، هو نعمة ونقمة، وعلينا استثمار هذه النعمة لخدمة الأدب وتقديم كلّ ما هو إيجابي ومفيد للأجيال القادمة.
إقران الشابكة بالطباعة
بدورها الشاعرة سهير زغبور قالت: منذ نشأة الأدب كان البحث عن منصة للنشر هو الشغل الشاغل للأديب على اختلاف عصور ومستويات تلك المنصات، منذ أن كانت بسيطة التقديم على هيئة أسواق إلى أن جاء عصر التدوين وما تلاه من مراحل متقدمة كالطباعة والإذاعة والتلفاز والأمسيات الأدبية، وغير ذلك من وسائل التسويق الأدبي، مع ما تتركه من أثر في عقول وقلوب المتلقين، بما تنطوي عليه من أدوات وخبرات، إلى عصرنا هذا عصر التقانة والانترنت، تلك التقنية التي قلبت موازين الانتشار وجعلت العالم كله وراء شاشة لا تتعدى مساحتها كف اليد.
وتتابع زغبور: كان للأدب حصة كبيرة في تحويله من عالم افتراضي إلى عالم حقيقي، بكل ما للكلمة من معنى، لذلك لم يعد دخيلاً على المجتمع، لأن المجتمع بحد ذاته نقل إقامته في أغلب الأوقات إلى خلف تلك الشاشة، فكان حقاً عالم تواصل اجتماعي، ينشر من خلاله الناس أفكارهم ومشاعرهم وقضاياهم وفنونهم، ليتلقوا ردود الأفعال التي على اختلاف مستوياتها، تعبر عن تفاعل الآخرين بطريقة أو بأخرى.
ذائقة القارئ المباشرة
لذا استطاع الأدب أن يكون سباقاً في استغلال ميزات هذه التقانة من سرعة وجودة ليوسع انتشاره، فبات الأديب في كثير من الأحيان يستغني عن الطباعة، ويعمد إلى نشر إبداعه عن طريق الشابكة، مستفيداً من فكرة التصريح بذائقة القارئ مباشرة من جهة، ومن اتساع رقعة القراءة من جهة أخرى لتمتد إلى العالم كله… وهذا ما جعل الإنتاج الأدبي أغزر وأكثر تنوعاً وأسهل تناولاً، إذ وفّر على الكاتب تكاليف الطباعة وعلى القارئ تكاليف الشراء، ما فسح المجال لأكبر شريحة من الناس أن تقرأ، إلا أن كل تلك الأهمية من التسويق الأدبي قد تمحوها كبسة زر، وهذا يعيدنا إلى نقطة البدء، ألا وهي ضرورة إقران الشابكة بالطباعة كي لا يفقد الأديب كل نتاجه، وكأن شيئاً لم يكن.