الثورة – المهندس بسام مهدي:
في لحظة واحدة، وبينما كان الأطباء يتصفحون صورأشعة لمريض يعاني من أعراض غامضة، قدّم نظام ذكاء اصطناعي التشخيص الصحيح بدقة تفوق التوقعات.
لم تكن هذه مصادفة، بل نتيجة تحوّل رقمي عميق يشهده عالم الطب، دخل الذكاء الاصطناعي بقوة إلى قلب غرف التشخيص،
لم يعد الطبيب وحده في مواجهة آلاف المعطيات، بل أصبح مدعوماً بأنظمة ذكية تقرأ وتحلل وتستنتج في ثوانٍ ما قد يستغرق البشرساعات، من تحليل الصورالطبية إلى استخراج الأنماط من السجلات الإلكترونية، يشهد التشخيص السريري اليوم نقلة نوعية تفتح آفاقاً جديدة في دقة العلاج وسرعة اتخاذ القرارالطبي.
الذكاء الاصطناعي في ميدان التشخيص السريري
لقد تغيّرت آليات العمل الطبي بشكل جذري، تستند هذه الثورة الرقمية إلى تقنيات متقدّمة مثل التعلّم العميق (Deep Learning)، الذي يتيح للأنظمة الذكية “تعلّم” الأنماط المعقّدة من كميات ضخمة من البيانات الطبية، ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP) التي تمكّن الذكاء الاصطناعي من فهم وتحليل الملاحظات السريرية المكتوبة بلغة الأطباء، كما بدأت النماذج متعددة الوسائط بالجمع بين صور الأشعة، وبيانات السجلات الإلكترونية، وحتى أصوات المرضى، لإنتاج صورة تشخيصية شاملة وأكثر دقة.هذه الأدوات الذكية باتت قادرة على تحليل صورالأشعة وتحديد الأورام بدقة متناهية، واستخلاص الأنماط من التاريخ الطبي للمريض، بل وحتى التنبؤ بالمضاعفات المحتملة قبل حدوثها، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مساعد تقني، بل أصبح شريكاً فعلياً في القرار الطبي.
آخر التطورات
تشهد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال التشخيص الطبي تطوراً سريعاً، مع نماذج جديدة تحقق قفزات كبيرة في دقّة وفعّالية التشخيص، من أبرز هذه التطورات، نموذج “AMIE” الذي طوّرته شركة Google Health، وهو نظام مبتكر يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل السجلات الصحية الإلكترونية ومقابلات المرضى بشكل آلي، مما يساعد الأطباء على تشخيص الأمراض التنفسية والقلبية بدقّة عالية وفي وقت قياسي. هذا النموذج يعد ثورة في كيفية تفاعل الأطباء مع البيانات الطبية ويعزز من قدرة الأطباء على اتخاذ قرارات سريعة ومبنية على أسس علمية دقيقة.
وفي الإمارات، برز نموذج “MedPromptX”، الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل صورالأشعة السينية والبيانات السريرية من مصادر متعددة،ما يساهم في الكشف المبكر عن أمراض مثل السرطان وأمراض القلب والسكري في أقل من دقيقة.أصبح هذا النظام قادراً على الكشف عن الأنماط المرضية التي قد يغفل عنها الإنسان، مما يسرع من عملية التشخيص ويمنح المرضى فرصة أفضل للعلاج المبكر لهذه الأنظمة ليست فقط تحسيناً تقنياً، بل تمثل أيضاً تحولاً في الطريقة التي نفكر بها في التشخيص والعلاج الطبي.
التحديات المتبقية والفرص المستقبلية على الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققها الذكاء الاصطناعي في التشخيص السريري، إلا أن هناك تحديات لا تزال تواجه انتشار هذه التقنية بشكل كامل. وإن التحفظات الأخلاقية تعتبر من أبرز القضايا التي تتطلب معالجة دقيقة، خاصة فيما يتعلق بالخصوصية وحماية البيانات الصحية الحساسة، يحتاج المجتمع الطبي والمشرّعون إلى وضع أطرتنظيمية صارمة لضمان عدم استغلال البيانات الشخصية للمرضى.كذلك، هناك التفاوت في الوصول إلى التقنية بين الدول المتقدّمة والدول النامية، حيث تقتصر العديد من البلدان على أدوات وتقنيات قديمة بسبب التكلفة المرتفعة والتحديات اللوجستية، هذا يؤدي إلى فجوة صحية كبيرة بين المناطق المختلفة.ومع ذلك، هناك فرص كبيرة خاصة للدول النامية للاستفادة من النماذج المفتوحة المصدر، يمكن لهذه الدول أن تستخدم حلول الذكاء الاصطناعي التي توفرها الشركات العالمية أو المؤسسات الأكاديمية مجاناً أو بتكاليف منخفضة، مما يسهم في تحسين التشخيص والعلاج بشكل كبير دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة، بالاستفادة من هذه النماذج، يمكن توفير رعاية صحية عالية الجودة بتكلفة منخفضة، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص في الموارد الطبية والتقنية.
في الختام
يبقى الذكاء الاصطناعي أداة قوية في تعزيز التشخيص السريري، لكنه ليس بديلاً عن الطبيب. بل، هو شريك يعززكفاءة الأطباء ويسهم في اتخاذ قرارات طبية أكثر دقة وسرعة. التقنيات الحديثة لا تهدف إلى استبدال الذكاء البشري، بل إلى تحسينه وتوسيع إمكانياته.. لذلك، من المهم أن يدرك الجميع أن دورالطبيب يظل محورياً في التعامل مع المريض واتخاذ القرارات النهائية.
وفي هذا السياق، يجب على صناع القرار في القطاع الصحي تعزيز تبني هذه التقنيات ضمن إطار منظم وأخلاقي، يضمن تحقيق التوازن بين الابتكار وحماية حقوق المرضى، وينبغي أن تكون السياسات الصحية مرنة بما يسمح باستخدام الذكاء الاصطناعي بأمان، مع ضمان حماية الخصوصية والامتثال للقوانين التنظيمية.
فقط من خلال هذه الخطوات المدروسة يمكننا الاستفادة من هذا التحوّل الرقمي بشكل فعّال، لضمان رعاية صحيّة أفضل وأكثر دقة للجميع.