الثورة – ترجمة هبه علي:
شنت إسرائيل فجر الجمعة الماضي موجة من الغارات الجوية الكثيفة في واحدة من أكثر الليالي كثافة في الأشهر الأخيرة، مستهدفة مواقع عسكرية سورية في دمشق ودرعا وحماة واللاذقية.
ورافقت الضربات نشاط جوي مكثف وتحركات عسكرية غير مسبوقة في جنوب سوريا، وأضفت شائعات عن عملية إنزال جوي إسرائيلية محدودة، وتحذيرات جوية تركية مزعومة للطائرات الإسرائيلية، أبعاداً سياسية واستراتيجية امتدت إلى ما بعد العمل العسكري الفوري.
وأفادت مصادر لـ”ميديا لاين” أن الغارات أدت إلى إصابة أربعة مدنيين في حرستا.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها “ميديا لاين” إلى أضرار مادية كبيرة في المواقع المستهدفة، والتي يعتقد أن بعضها يستخدم كمستودعات أسلحة أو مراكز قيادة.
توازن جوي جديد
في تطور مفاجئ، أفادت وسائل إعلام محلية سورية أن مروحية إسرائيلية هبطت لفترة وجيزة في محافظة السويداء قبل أن تعود باتجاه مرتفعات الجولان، ورغم عدم صدور أي تأكيد رسمي، أثار توقيت ومكان الهبوط تكهنات بأن إسرائيل ربما تجري عمليات خاصة في مناطق حساسة، يأتي هذا في ظل تصاعد الخطاب الإسرائيلي حول “حماية الدروز” في سوريا، لاسيما في ظل تصاعد التوترات الطائفية في السويداء وجرمانا.
ولعل أبرز الادعاءات جاء من مصادر عسكرية سورية، زعمت أن طائرات تركية أطلقت “تشويشاً إلكترونياً وإشارات تحذير” استهدفت الطائرات الإسرائيلية خلال الغارات، وإذا تأكد هذا، فقد يشير إلى توتر غير معلن بين أنقرة وتل أبيب بشأن الأجواء السورية، أو محاولة تركية لفرض توازن جوي جديد.
قال المحلل السياسي عبد الرحمن رياض لصحيفة “ميديا لاين”: إن سوريا أصبحت منصة للرسائل الاستراتيجية، وأوضح أن الضربات الإسرائيلية جاءت في ظل تصاعد الاضطرابات الداخلية، لاسيما في الجنوب، حيث تشهد السويداء ودرعا احتجاجات ومواجهات مسلحة.
وفي سياق الفراغات الأمنية المتزايدة وصعود الميليشيات المحلية، ربما اغتنمت إسرائيل الفرصة لإعادة ضبط موقعها الاستراتيجي من خلال استهداف مراكز القيادة أو قوافل الأسلحة المزعومة المرتبطة بإيران أو حزب الله، بحسب رياض.
وقال: إن هذه الضربات تتوافق مع استراتيجية إسرائيل “الحملة بين الحروب”، التي أطلقتها في عام 2017، والتي تهدف إلى إضعاف الوجود العسكري الإيراني في سوريا دون إثارة صراع واسع النطاق.
اللافت للنظر هو أن تصوير الضربات على أنها “حماية للأقليات” قد يشير إلى تحول في الخطاب الإسرائيلي- من العمليات التكتيكية المستهدفة إلى تدخلات ذات طابع إنساني أو طائفي، وهذا يحاكي الرواية الإسرائيلية خلال الحرب الأهلية اللبنانية في الجنوب.
لاتزال سوريا، الغارقة في أزمات متعددة الجوانب، في موقف دفاعي، فباستثناء إدانة رسمية وصفت الضربات بأنها “انتهاك للسيادة ومحاولة لزعزعة استقرار البلاد”، لم تصدر دمشق أي رد عسكري يذكر.
في ظل غياب أي رادع جوي لإسرائيل وغياب أي دفاعات جوية فعالة، تبدو الحكومة السورية عاجزة عن بناء أي ردع يعتد به، وفي ظل الانهيار الاقتصادي والانقسامات الداخلية المتفاقمة، تواجه البلاد تحديات متنامية في التصدي للتصعيدات المتكررة التي تبرز ضعفها المتفاقم.
– معضلة أخلاقية وسياسية:
وقال الناشط السياسي السوري عبد الرحمن الناصر لوكالة ميديا لاين: “على الرغم من عدم اليقين المحيط بالتدخل الإلكتروني التركي المزعوم، فإن مجرد تداول مثل هذه المعلومات يثير تساؤلات خطيرة حول مستقبل التنسيق التركي الإسرائيلي في سوريا”، وأضاف “على مدى سنوات، كان هناك تفاهم غير معلن بين الجانبين لتجنب المواجهة المباشرة في الأجواء السورية، حيث كان كل طرف يركز على أولوياته الخاصة- تركيا على وحدات حماية الشعب الكردية، وإسرائيل على التمركز الإيراني”.
إلا أن المؤشرات الأخيرة- من خطاب أنقرة التصعيدي إلى المناورات الجوية- تشير إلى أن تركيا ربما تعيد تقييم هذا الاتفاق الضمني، لاسيما مع استئناف الاتصالات الأمنية مع دمشق”.
إن التصريحات الإسرائيلية المتكررة حول “حماية الدروز” في سورياــ وخاصة في السويداء ــ تشكل معضلة أخلاقية وسياسية معقدة للمجتمع الدرزي هناك.
وتقدم هذه التصريحات كغطاء أخلاقي للضربات الإسرائيلية، وهي تأتي من دولة تحتل جزءاً من الأراضي السورية.
وقال سمير سلوم، وهو ناشط إعلامي ومقيم في السويداء، لوكالة ميديا لاين: “تقدم هذه التصريحات كغطاء أخلاقي للضربات الإسرائيلية، ومع ذلك فهي تأتي من دولة تحتل جزءاً من الأراضي السورية “الجولان”، والتي تعد موطناً للمجتمعات الدرزية”.
وأضاف أن هذا التناقض يضع الدروز السوريين في موقف صعب، فهم يرفضون التدخل الأجنبي الذي يصور على أنه حماية طائفية، لكنهم يواجهون أيضا تهديدات داخلية نابعة من الفوضى الإقليمية والفراغ الأمني.
وأعربت مصادر محلية في السويداء عن مخاوفها من أن يخدم الخطاب الإسرائيلي المصالح السياسية لتل أبيب، ويفتح الباب أمام التوترات الطائفية التي يمكن استخدامها لاحقا لتبرير تدخلات أوسع.
المصدر- The Media line