الثورة – ترجمة ختام أحمد:
منذ الإطاحة ببشار الأسد أواخر العام الماضي، تغيرت الديناميكيات، فتحوّلت سوريا إلى ساحة تنافس تركي – إسرائيلي، ويبدي أحد مصادر التوتر الرئيسية بين تركيا وإسرائيل من رغبة الأولى في رؤية سوريا دولة قوية وموحدة، بينما تريد الثانية أن تبقى سوريا ضعيفة ومقسمة على أسس عرقية وطائفية بشكل دائم.
ترى الحكومة الإسرائيلية أن النفوذ التركي المتنامي في سوريا ما بعد البعث يُشكل تهديداً خطيراً للدولة اليهودية، في بداية هذا العام، أصدرت لجنة حكومية إسرائيلية تُقيّم قضايا الأمن الإقليمي تقريراً حذّرت فيه من أن السلطات الجديدة في سوريا قد تُشكّل تهديداً أخطر على الأمن الإسرائيلي مما كانت عليه سوريا في عهد الأسد.
وبدأت إسرائيل قصف دمشق وأجزاء أخرى من سوريا، بينما اغتصبت بشكل غير قانوني المزيد من الأراضي السورية بعد مرتفعات الجولان، وذلك مباشرة بعد انهيار النظام السابق قبل خمسة أشهر تقريباً، ثم في أواخر الشهر الماضي وبداية هذا الشهر، استهدفت عمليات عسكرية إسرائيلية قواعد سورية أبدت أنقرة اهتمامها بها بعد أحاديث مطولة عن إضفاء تركيا طابعاً رسمياً على تحالف عسكري مع سوريا ما بعد البعث، في نهاية المطاف، تريد إسرائيل منع أي مستقبل في سوريا تكون فيه أنقرة ضامنة لأمنها، وتستطيع ردع الإسرائيليين بفعالية عن شنّ هجمات جوية أو برية على الأراضي السورية متى شاؤوا، وهو ما يحدث منذ الإطاحة بالأسد، وكان يحدث أيضاً بشكل ملحوظ خلال سنواته الأخيرة في السلطة، ولقد ذهب الإسرائيليون إلى حد الضغط على واشنطن لدعم الوجود العسكري الروسي في البلاد ليكون بمثابة حصن ضد النفوذ التركي.
“رأت إسرائيل فرصةً وفراغاً في السلطة في سوريا بعد سقوط الأسد، فشنّت غاراتٍ جويةً عديدةً، بل وحاولت القيام بغاراتٍ برية، كما سعت إلى تحريض الأقليات، كالدروز والأكراد، لإبقاء سوريا مجزأةً وضعيفة”، وفي هذا السياق، تنظر إسرائيل إلى تركيا كتهديد، لأنها أوضحت أنها لن تقبل بسوريا مقسمة وضعيفة، في هذه الصورة، تُمثل تركيا قوة موازنة ضد إسرائيل، ورغم احتمال تصاعد التوترات بين تركيا وإسرائيل على الأراضي السورية إلى مواجهة مباشرة، إلا أن العديد من الخبراء يستبعدون ذلك.
وقد التقى مسؤولون أتراك وإسرائيليون في أذربيجان لإجراء محادثات تهدف إلى التوصل إلى تفاهم مشترك بين تركيا وإسرائيل بشأن المشهد الأمني في سوريا، وتركزت المناقشات على إنشاء “قناة لتفادي الصدام” للحد من مخاطر دخول القوتين في مواجهة مباشرة على الأراضي السورية أو فوقها.
يتفق الدكتور كريم إميل بيطار، المحاضر في دراسات الشرق الأوسط بمعهد الدراسات السياسية بباريس، مع هذا الرأي القائل: “بأن المواجهة العسكرية المباشرة لن تندلع على الأرجح” ومع ذلك، شدد على أن “الحروب بالوكالة في سوريا لم تنتهِ بعد”، وأن الجمع بين “التجاوزات الإسرائيلية” و”الرغبة التركية المتزايدة” يزيد من خطر “التشرذم المتزايد” لسوريا الضعيفة أصلًا، في ظل تنافس جيرانها الأقوى على النفوذ على أراضيها، بينما لاتزال التوترات بين حليفي الولايات المتحدة بشأن “سوريا الجديدة” محتدمة.
تُعدّ واشنطن مركز ثقل وقد أبدت إدارة ترامب عزمها على سحب تركيا وإسرائيل من عدائهما، وقالت الدكتورة بينار دوست وهي باحثة في المعهد الفرنسي للدراسات الأناضولية ل RS”عندما نأخذ في الاعتبار أن الولايات المتحدة تخطط لسحب قواتها بحلول نهاية العام، وتفرض اتفاقا بين “قوات سوريا الديمقراطية” ودمشق، وجهود تركيا لتشكيل تحالف ضد داعش مع العراق وسوريا والأردن، تصبح الصورة واضحة تماماً”، مضيفة أنه مع انسحابها من سوريا، ترغب الحكومة الأمريكية في ترك بيئة تسمح لحلفائها بالتوصل إلى تفاهم، كما ستسعى إلى ضمان التطبيع بين إسرائيل وسوريا قبل المغادرة.
قال ترامب الذي أشار إلى نتنياهو بإيمانه بأن مشاكل إسرائيل مع تركيا ستبقى تحت السيطرة، بل وعرض التوسط بينهما: “أنا معجب بأردوغان، وهو معجب بي… ولم نواجه أي مشكلة قط”، وأكد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي أنه يجب أن يكون “منطقياً” في سوريا عندما يتعلق الأمر بالقضايا مع أنقرة.برأيي، عندما تحدث ترامب بإيجابية عن الدور التركي القوي في سوريا، ودعا نتنياهو إلى “التعقل”، كان ذلك بمثابة تحذير لإسرائيل بأنها بالغت في أفعالها هناك، كان هذا بمثابة اعتراف بتركيا كقوة موازنة.
لم يكن نتنياهو راضياً، لكن لم يكن أمامه خيار سوى قبول ذلك، وأضاف: “في جوهر الأمر، طلب ترامب من نتنياهو احترام أولويات تركيا ومواقفها. ليس من الضروري تحديد مدى اعتماد إسرائيل على الدعم الأمريكي، لذا كان تحذير ترامب يهدف إلى كبح أنشطة إسرائيل في سوريا- وأعتقد أنه سيفعل ذلك”.
المصدر _ Responsible Statecraft