لطالما أثبتت المواقف أن الوعي الوطني الذي يحركه الانتماء للوطن والتمسك بجذوره، يتجلى في أحلك الظروف، ولنا في قصة الحارسَين محمود الخطيب ومحمد خليل أنموذجاً مشرفاً يحتذى به في دفاعهما عن المتحف الوطني بدمشق ليلة سقوط النظام المخلوع، وقد اكتملت حكاية البطولة التي سطرها عصرنا الحديث تحت عنوان “هنا آثار سوريا، أرجوكم حافظوا عليها” بتكريم وزير الثقافة لهما عبر مبادرة غير مسبوقة في التقدير المعنوي والمادي الذي تقصد أن يكون مجزياً، لتصل الرسالة أننا في عهد يقدر المواقف البطولية في التعبير عن حب الوطن، عبر أولوية تكريم لا يغيّبها تجاهل.
بالمقابل تقودنا هذه الصورة المشرقة في الذود بالروح- إن تطلب الأمر، حفاظاً على تراثنا التاريخي، إلى ما تشهده اليوم مساحات زاخرة بالتراث المادي من سوريا، ونخص بالذكر محافظة درعا، وامتدادها من ريف دمشق من انتهاك متعمد بأيدي جهلة فاقدين للوطنية، ضللهم حب المال فدفعهم للتنقيب غير الشرعي عن الآثار والكنوز، مستخدمين الجرافات ومعدات الحفر التي دفعوا ثمنها طمعاً بسرقة التراث الثقافي في وضح النهار.
والمؤسف أن منهم محامين ومهندسين ومدرسين توقفوا عن أعمالهم، وتوجهوا للتنقيب بهدف سرقة آثار بلادهم وبيعها لمن يقدر قيمتها عالياً، هدفهم جني الأرباح الطائلة، وهدف عصابات تهريب الآثار الممنهجة نهب ثروتنا للنيل من أكثر البلدان حضوراً في ذاكرة التاريخ والحضارة الإنسانية، وهو ما يشكل ظاهرة خطيرة تستوجب اتخاذ إجراءات سريعة في الردع والمحاسبة، إنقاذاً لما تبقى من هذا المخزون الثر الذي نالت منه ولاتزال معاول الهدم الصماء لاغتيال معالم الأمة الأثرية، وتشويه هويتها التاريخية.
