السوريون بين مرحلتين:  الخوف “من الدولة” إلى الخوف “على الدولة”

 

الثورة _ أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي:

يعيش السوريون بكل أطيافهم ومكوناتهم عقب سقوط نظام الأسد، مشهداً جديداً لم يألفوه منذ 54 عاماً في ظل حكم النظام المستبد، عانوا فيه الكثير من القمع والكبت، لكن الواقع تغير مع دخول سوريا حقبة جديدة، يتطلعون لبناء دولتهم والنهوض بها، تدفعهم العزيمة والإصرار للتغيير الذي نادوا وطالبوا به ودفعوا لأجله الأثمان، مؤكدين خوفهم وحرصهم (على الدولة)، بعد سنين طويلة من (الخوف من الدولة).

هذا الخوف لم يكن عبثياً، بل نابعاً من ممارسات وقيود مارسها نظام الأسد الأب والابن، عبر القبضة الأمنية التي حكموا في سوريا بالحديد والنار، وأشاعوا فيها القتل والتنكيل لكل من عارضهم، لم تسلم من تلك القبضة طائفة أو عرق أو دين، لكن المفاهيم اليوم تبدلت وتغيرت وباتت تعي وتدرك أهمية النصر الذي تحقق، ومخاطر العودة ولو خطوة واحدة إلى الوراء.

ولعل التكاتف الذي نرصده في الشارع السوري بكل أطيافه وفئاته اليوم، يظهر جلياً إصرارهم على الوقوف إلى جانب السلطة الجديدة، ومنع الانزلاق في أتون أي صراع مذهبي كان أو طائفي، مع وجود أصوات النشاز التي تحاول تعكير صفو السوريين بمطالب الحماية الدولية أو الانفصال، لكن السمة الغالبة اليوم في الشارع السوري، هي “الخوف على الدولة” والتطلع للمستقبل الذي ينتظرهم في سوريا الجديدة.

فمع غياب المنظومة الأمنية القمعية التي طالما شكلت كابوساً يورق حياتهم، ومصدر رعب، باتت اليوم معادلة عكسية، إذ بات السوريون يشيدون بدور القوى الأمنية ويطالبون بضبط الأمن وتعزيز دورها في مواجهة الطامحين للخراب، أيضاً باتت الأنظار ترقب الخطوات التي تقوم بها السلطة الحالية بدعم لم يسبق أن حصل في سوريا، ترقب كل خطاب وكل تصريح، تبارك كل خطوة إيجابية، وتمثل دور رقابي على عمل المؤسسات والمسؤولين، تنتقد بحرية بلا خوف.

يدرك السوريون أن معركتهم لم تعد فقط في إسقاط من حكمهم بالقوة، بل في بناء مؤسسات بديلة تعيد الاعتبار لمفهوم الدولة – دولة القانون، والمواطنة، والتوازن بين السلطات -، فالخوف على الدولة صار مسؤولية جمعية، يُعبَّر عنه في النقاشات اليومية، في تكوين المبادرات المحلية، في التفكير بإعادة الإعمار لا فقط فيزيائياً بل سياسيًا ومؤسساتيًا.

تقول صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في تقرير نشرته مؤخراً تحت عنوان “كيف أسست عائلة الأسد إمبراطورية الخوف في سوريا؟”، إن سقوط بشار الأسد في سوريا كان مدوياً، ولم تعد أسرته موجودة في دمشق، وهي التي فرضت الحكم بيد من حديد، في مشهد لم يتخيله العديد من السوريين.

ويؤكد كاتب التقرير، أن الإرث الذي تركه نظام الأسد تميز بمحاولته “القضاء على روح الشعب، وحرمهم من الحلم بإمكانية العيش في مكان أفضل”، مشيراً إلى أن سوريا تتمتع بموارد طبيعية وتاريخ عريق غني وموقع استراتيجي تمتلك كل مقومات النهوض والتقدم,

ولفتت الصحيفة في تقريرها، إلى أن سلالة الأسد ستبقى في الذاكرة بسبب “استخفافها الوحشي” بأرواح السوريين، ناقلة عن الكاتب تأكيده أن السوريين بدأوا في تجاوز إمبراطورية الخوف “فقد رأينا كيف استطاع الشعب التغلب على ذلك وصنع المستقبل الذي يريده لنفسه”.

هذا الانتقال من موقع “الخوف من الدولة” إلى “الخوف على الدولة” ليس مجرّد تبدّل نفسي، بل انعكاس لتحوّل عميق في الوعي الجمعي، بدأت تتشكّل ملامحه في خضم الثورة، ثم تبلور تدريجياً بعد الانهيار الكامل لنظام القمع.

لقد آن الأوان لأن تُبنى الدولة السورية من جديد، لا على رماد الخوف، بل على طموح الأمل، فالشعب السوري الذي عاش نصف قرن تحت سطوة الأمن والمخابرات، يستحق أن يرى دولته تُبنى على قيم الحرية والعدالة والكرامة، فسوريا الجديدة تحتاج إلى مؤسسات تُعبّر عن أهلها لا تستبدّ بهم، وتحتاج إلى ذاكرة تحفظ التضحيات ولا تعيد إنتاج الجلاد.

آخر الأخبار
تركت ارتياحاً في الأوساط الصناعية.. اتفاقيات سورية تركية تدعم الشبكة الكهربائية آفاق جديدة للدعم الطبي.. سوريا والنرويج نحو شراكة مستدامة "المالية" تستعرض أرقام النفقات والإيرادات للموازنة العامة الشرع وعبد الله الثاني: المجلس التنسيقي يفتح مرحلة جديدة بين البلدين "تجارة دمشق" تلغي شرط التأمينات الاجتماعية الغريواتي لـ"الثورة": يدفع الكثير من التجار للتسجيل بالغر... أردوغان: رفع العقوبات عن سوريا خطوة مهمة لتحقيق الاستقرار مستقبل احتياطات العالم ومخاطر العملة الواحدة  احتياطي الصين في زمن الاضطراب ..تفكيك الاعتماد على الد... انطلاق أولى قوافل الحجاج من مدينة حماة "نادي الإعلاميين السوريين في قطر".. خطوة مهنية لتعزيز الحضور الإعلامي في الخارج ٨ باصات جديدة بالخدمة في اللاذقية تنفيذي جديد لتجارة و صناعة طرطوس السوريون بين مرحلتين:  الخوف "من الدولة" إلى الخوف "على الدولة" نمذجة معلومات البناء BIM في  حمص "انهض بمدينتك".. تحسين الواقع الخدمي في درعا مشروع فردي باستثمار ذكي  " السماد العضوي" في  "مجبر" طرطوس يؤمن عشرات فرص العمل  ما قصة تعزيز روسيا لقواتها قرب فنلندا.. تحضير للحرب أم استعراض للقوة؟ مخلفات الحرب.. إرث قاتل يخطف الأرواح  القرى المستفيدة من مشروع "البغلة" بريف طرطوس عطشى.. والمؤسسة تستجيب "مياه درعا".. تراجع غزارة ينابيع وادي الهرير وعين ذكر للنصف تزايد الصادرات التركية لسوريا بنسبة 36,7 بالمئة في 4 أشهر