أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي
رغم انتهاء الحرب على الشعب السوري بسقوط نظام الأسد، إلا أن إرثها لم ينته، ممثلاً بمخلفات الحرب من ألغام وقنابل وصواريخ لم تنفجر، تنتشر على مساحات شاسعة، وتشكل موتاً موقوتاً مؤجلاً يخطف أرواح السوريين في كل يوم، ليواصل نزيف الدم ومعاناة السوريين وعائقاً أمام العودة لقراهم وحقولهم القريبة من خطوط التماس التي تعد أكثر المناطق انتشاراً لتلك المخلفات.
في كل يوم تُسجل فرق الدفاع المدني السوري وفرق إزالة مخلفات الحرب، ضحايا جدد، قتلوا بانفجار ألغام أو بقايا أسلحة لم تنفجر، في منازل مدمرة أو حقول مهجورة عادوا إليها، لم تسلم حتى فرق إزالة لتك المخلفات أيضاً من مخاطرها، لتشكل تهديداً يومياً لحياة ملايين السوريين، بالتوازي مع عودة السكان تدريجياً إلى مناطقهم.وفي ظل هذا الواقع المؤلم، تتزايد الحاجة إلى تكاتف الجهود الدولية والوطنية لتسريع إزالة الألغام، وتعزيز الوعي المجتمعي، وتوفير الرعاية للمصابين، وكانت أعلنت “وزير الدفاع” في الحكومة السورية، عن بدء فرق الهندسة أعمالها الميدانية في إزالة الألغام والذخائر غير المنفجرة من مناطق واسعة في المحافظات السورية.
أظهرت بيانات “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، أن عدد الإصابات جراء الألغام منذ مطلع عام 2025 بلغ أكثر من 500 إصابة، مقابل 388 حادثة و900 إصابة و380 وفاة في عام 2024، معظمهم من الأطفال، كما سجلت الفترة بين كانون الأول 2024 وآذار 2025 نحو 748 إصابة، في مؤشر خطير على تفاقم الوضع.
وحذّر رئيس بعثة الصليب الأحمر في سوريا، ستيفان ساكاليان، من أن الإصابات في الربع الأول من 2025 تعادل تقريباً إجمالي إصابات عام 2024، مشيراً إلى أن الأطفال والنساء يتصدرون الضحايا، نتيجة اللعب في مناطق ملوثة أو أثناء جمع الحطب، وأكد أن أكثر من نصف السكان في سوريا يواجهون خطر الألغام يومياً، ما يفاقم أزمات التعليم والرعاية الصحية، ويرفع مستويات انعدام الأمن الغذائي.
من جهتها، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن أكثر من 600 شخص سقطوا بين قتيل وجريح بسبب الألغام منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، موضحة أن عدد الضحايا ارتفع بشكل حاد بسبب عودة السكان إلى مناطق ملوثة، وسط غياب التوعية وعدم وجود خرائط للألغام.
تقول مؤسسة “الدفاع المدني السوري”، إن الذخائر غير المنفجرة تنتشر في عموم مناطق سوريا التي باتت ساحة حرب لتجريب واختبار الأسلحة ضد المدنيين، تتواجد في المدن والقرى وفي الأحياء السكنية وفي الأراضي الزراعية، ولا يقتصر خطر مخلفات الحرب بما تخلفه من ضحايا فقط، فلها آثار أخرى إذ تمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وتشكل خطر على حياتهم، وتمنع الصناعيين من العمل في بعض الورشات التي طالها القصف.
وتخلف تلك القنابل والألغام – وفق المؤسسة – إرثاً يستمر أمداً بعيداً، فهي إن لم تقتل، تُحدث إصابات ومعاناة شديدة، وكثيرًا ما يكون هؤلاء الضحايا من الأطفال، مع ما يترتب على ذلك من عواقب ينوء بها الضحايا وأسرهم مدى الحياة، كما تؤثر مخلفات الحرب على عودة السكان لمنازلهم ولاسيما في المناطق التي تعرضت للقصف بشكل مكثف أو التي كانت خطوط تماس وهي الأكثر تلوثاً.
وفي سياق جهود المؤسسة لإزالة مخلفات الحرب، حددت فرق المسح 141 حقلاً ونقطة تنتشر فيها الألغام، في المناطق المدنية وبالقرب من منازل المدنيين وفي الحقول الزراعية والمرافق، وعثرت الفرق على العشرات من حقول الألغام التي تحتوي على الألغام المضادة للآليات والمضادة للأفراد المحرمة دولياً.
تؤكد “الخوذ البيضاء” أيضاً على أهمية التوعية بمخاطر الألغام والمخلفات، إذ تساهم حملات التوعية بتزويد السكان بالمعرفة والمهارات اللازمة لتجنبها، وتشمل تثقيف السكان حول كيفية التعرف على الألغام وغيرها من الذخائر غير المنفجرة، كذلك توفير التدريب على كيفية البقاء بأمان في المناطق التي قد تكون ملوثة، بالتالي تقليل مخاطر الإصابة والوفاة وتعزيز مجتمعات أكثر أماناً.
وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة محلياً، إلا أن ملف إزالة مخلفات الحرب في سوريا يحتاج لتضافر الجهود الدولية وتقديم الدعم اللازم من معدات ولوجستيات لمواجهة مخاطر هذا الإرث القاتل الذي قد يمتد لسنوات عديدة وهو يلاحق أرواح السوريين، والعمل على بناء قدرات وطنية وتطويرها في مجال الأعمال المتعلقة بالألغام والمخلفات القاتلة.