الثورة:
أعلن زعيم “حزب العمال الكردستاني – PKK” عبد الله أوجلان، من داخل سجنه، في ظهور مفاجئ هو الأول من نوعه منذ أكثر من ربع قرن، نهاية مرحلة “الكفاح المسلح” ضد الدولة التركية، داعياً إلى تبنّي العمل السياسي السلمي كخيار استراتيجي بديل، في خطوة وصفها مراقبون بأنها قد تعيد رسم ملامح العلاقة بين أنقرة والحركات الكردية في المنطقة.
ووجّه أوجلان كلمته المصوّرة، التي بُثّت يوم الثلاثاء باللغة التركية، إلى أنصاره والرأي العام التركي والدولي، قائلاً: “انتهى زمن الكفاح المسلح، وانتهى زمن حرب التحرير الوطنية.
نؤمن اليوم بقوة السياسة والعمل الديمقراطي، لا بالسلاح”، داعياً جميع القوى الكردية إلى التخلي عن العنف وتجسيد مبدأ السلام.
وأكد أوجلان أن “حزب العمال الكردستاني لم يعد يسعى إلى إقامة دولة قومية مستقلة”، موضحاً أن “المرحلة الحالية تتطلب خطوات عملية وجادة، بعد أن طوينا صفحة المشروع القومي التقليدي”.
وفي كلمته، دعا زعيم الحزب المحظور، البرلمان التركي إلى تشكيل لجنة خاصة تشرف على عملية سلام شاملة، تتضمن نزعاً طوعياً للسلاح، وآليات للعدالة الانتقالية، مشيراً إلى أن التغيرات الجيوسياسية، لا سيما في الساحة السورية، تستدعي انتهاز هذه “الفرصة التاريخية”.
ويُعد هذا الموقف تحوّلاً جذرياً في خطاب “العمال الكردستاني”، الذي خاض تمرداً مسلحاً منذ عام 1984 أسفر عن عشرات الآلاف من القتلى، وُضع على إثره الحزب على قوائم الإرهاب في تركيا وأوروبا والولايات المتحدة.وكان حزب “العمال الكردستاني” قد أعلن في 12 أيار الماضي حله الذاتي وإلقاء السلاح استجابة لدعوة مؤسسه أوجلان. وجاء ذلك بعد دعوة مماثلة وجهها الأخير في شباط 2025، طالب فيها بحلّ جميع المجموعات المسلحة التابعة للحزب، وإنهاء أي أنشطة وصفها بـ”الإرهابية”، بما يمثل نهاية رسمية لمسار استمر أكثر من أربعين عامًا.
تتزامن تصريحات أوجلان مع تطورات بارزة في الملف السوري، في أعقاب إسقاط نظام بشار الأسد وتشكيل حكومة انتقالية جديدة، حيث أفادت مصادر مطلعة عن اتفاق مبدئي بين دمشق وقوات (قسد) – التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب “العمال الكردستاني” – ينص على دمج مؤسسات “قسد” ضمن هيكل الدولة السورية.
كما يجري التحضير لاجتماع قريب بين السيد الرئيس أحمد الشرع، والمبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك، وقائد “قسد” مظلوم عبدي، لمتابعة تنفيذ اتفاق آذار، الذي يتضمن ترتيبات إدارية وأمنية جديدة في شمال شرقي سوريا.تصريحات أوجلان تُفهم في سياق أوسع من التحولات الإقليمية، خصوصًا في ظل المتغيرات السياسية في سوريا، وعودة الأطراف الدولية إلى لعب أدوار مباشرة في صياغة التفاهمات الداخلية، ما يشير إلى احتمال فتح باب أمام مسار سياسي جديد ينهي عقوداً من المواجهة المسلحة بين تركيا والحركات الكردية.
ومن شأن هذه التطورات، إن وُضعت موضع التنفيذ، أن تفتح الباب أمام عملية سلام جديدة في تركيا، وتحوّل جذري في خريطة العلاقات الكردية – الكردية، خاصة مع تحوّل “قسد” من قوة عسكرية ذات طابع انفصالي إلى شريك في هيكل الدولة السورية الجديدة.تكتسب كلمة أوجلان أهميتها من رمزيتها ومكانته داخل الحركة الكردية.
فالرجل الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد في جزيرة إيمرالي منذ 1999، لم يظهر للرأي العام منذ اعتقاله، ما يجعل ظهوره هذا بمثابة إعلان نهاية مرحلة وبداية أخرى، قد تحمل فرصة تاريخية لفتح صفحة سياسية جديدة في العلاقات بين الدولة التركية ومكوّنها الكردي.