الثورة – إخلاص علي
الطالب المجتهد لا يبدأ الدراسة أثناء الامتحان، بل يبدأ التحضير من السنوات السابقة، لأن النجاح هو تراكم معلومات، وفي حماية الغابات لا يبدأ الاستعداد مع بدء موسم الحرائق، فحماية الغابات كما الطالب تحتاج إلى تحضيرات مسبقة، وإلى تراكم إجراءات حماية تبدأ بالمجتمع المحلي المحيط بالغابات وصولاً إلى الأمور الفنية من فتح وتنظيف خطوط النار وتقليم الأشجار وتحضير الآليات وصهاريج المياه.
عوامل طبيعية
وفي هذا الإطار يؤكد المدير الأسبق للحراج في وزارة الزراعة الدكتور المهندس علي داوود أن ما تتعرض له الغابات اليوم ناتج عن جملة عوامل منها طبيعية تتعلق بالتغير المناخي واحتباس الأمطار، ومنها بشرية تتعلق بالاعتداء على الغابات وغياب إجراءات الحماية.
وتابع داوود حديثه لـ “الثورة”: إن عملية مكافحة الحرائق والسيطرة عليها لاتبدأ من ساعة اندلاعها بل قبل أعوام، مبيناً أن هناك أمور مهمة يجب القيام بها قبل بدء موسم الحرائق لتجنب اندلاعها منها شق الطرق الحراجية وخطوط النار وتعزيز خطوط النار السابقة وصيانتها والاستمرار في مشروع تنظيم الغابات وتدريب فرق الإطفاء وصيانة الآلات والتجهيزات. شراكة مع المجتمع المحلي
وأوضح داوود أنه لايمكن حماية الغابات من الحرائق والأخطار الأخرى من تدمير وقطع للثروة الحراجية دون التعاون مع المجتمع المحلي والذي يكون عبر تنمية تلك المجتمعات وتحسين أوضاعها الاقتصادية، حيث أن ارتفاع مستوى البطالة في المجتمعات الريفية هو أحد أهم الأسباب في تدهور الغابات وانتشار الحرائق، فحماية الغابات بحسب داوود تكون من خلال ربط مصلحة المواطن فيها من خلال السماح للأفراد بالاستفادة من منتجات الغابة تحت إشراف الحكومة وبالتالي تنمية المجتمعات الريفية سيؤدي حتماً إلى حماية الثروة الحراجية.
وأضاف: الاعتماد على العاملين والفنيين الحراجيين من ذوي الخبرة هو عامل حاسم في السيطرة على الحرائق ومكافحتها لأن الصراع مع النيران في المناطق الحراجية يحتاج إلى فنيين خاضوا هذا الصراع مسبقاً وخبروا وديان وجبال ومسالك الغابات ، مشيراً إلى أن عامل التوعية والإعلام هام في مكافحة الحرائق ولكن يفقد أهميته عند تدهور الحالة الاقتصادية للمجتمع الريفي وانتشار الفقر والبطالة بشكل عام .
لا يمكن مواجهة الطبيعة
كما أشار داوود إلى أن الظروف المناخية التي تسود منطقتنا المتوسطية في بعض أيام الصيف والخريف من رياح جافة تجعل غاباتنا والأراضي الزراعية عرضة لاندلاع الحرائق ومع استمرار الرياح الجافة يصعب السيطرة عليها إذا لم نقل تستحيل مهما تم زج إمكانات مادية وبشرية.
وطرح مثالاً: في بعض الولايات المتحدة الأمريكية ذات المناخ الشبيه بمناخ بيئتنا الساحلية فشلت كل محاولات وجهود الحكومة الأمريكية الفيدرالية في السيطرة على حرائق الغابات وإخمادها في ظل هبوب الرياح الجافة بالرغم من الإمكانيات الكبيرة التي استخدمت من وسائل إطفاء وخبرات وفرق محترفة عالية الكفاءة ولم تتم السيطرة إلا بعد هدوء الرياح وتحولها إلى رياح رطبة.
وفي النهاية نوّه داوود إلى ضرورة مراجعة التشريعات والقوانين التي تتعلق بالحراج بحيث تكون الشراكة مع المجتمعات المحلية وليس التشدد والتهديد، وهناك ثغرات كبيرة في القوانين الحالية تجاهلت حق المجتمعات في الاستثمار والاستفادة من منتجات الغابات.
أخيراً يبقى القول: إن ما خسرناه من غطاء حراجي لا يمكن استعادته والترميم يحتاج لمبالغ كبيرة وسنوات طويلة وكل ذلك فيما لو كانت الطبيعة رحيمة بلا جفاف واحتباس أمطار وتطرّف مناخي.